Nov 26, 2007

الغيبة والنميمة .. مدخل لمعرفة الشخصية



يعرف “البورت” الشخصية بأنها هذا الانتظام الدينامي في الفرد للأجهزة النفسية – الفسيولوجية - والذي يحدد توافقاته الأصيلة مع بيئته. ويقول علماء النفس أن الشخصية تُعد بمثابة الجهاز المحدد للسلوك. ودلالة السلوك يمكن تعريفها بأنها الخاصة الموضوعية التي تتحقق بتكامل الدافع وإرضاءه ، فدلالة السلوك في حالة الحيوان الظمآن “العطشان” هي الدفاع ضد المشاعر الاولية للعطش وتحقيق الارتواء ، أما في حالة الإنسان فهي تعني ما يصدر من الإنسان من سلوك أو فعل او نوايا حتى وإن كانت غير متحققة ، فكل ما يصدر عن الإنسان من سلوك له دلالة ومعنى حتى وان غاب عن الفهم او التفسير
أما سلوك الغيبة والنميمة فهو يعني نقل الأحاديث التي يكره الناس نشرها وافشاؤها ونقلها من شخص إلى آخر ، نكاية بالقائل ، ووقيعة به. ويعرف الناس جميعا أن هذا السلوك إنما يصدر عن شخصية ليست سوية وليست مريضة بنفس الوقت، ولكن بها انحراف في الشخصية ، والانحراف يُعد أصعب من المرض النفسي، وأقسى من المرض العقلي ، فالمريض النفسي يعاني من آلامه ويشعر بها ويطلب العون والمساعدة من المختصين في علاج النفس ، إنه يدرك ما يقوم به من أفعال وتصرفات، ولكنه يفشل في كبحها أو إيقافها فيلجأ إلى طلب المساعدة.
ومن الأمراض النفسية : الوساوس ، الهستيريا ، الاكتئاب النفسي ، الفوبيا ، المخاوف المرضية، توهم المرض .. الخ ، بينما مريض العقل ، يرفض أنه مريض، ولكن يصنع لنفسه عالم خاص به، فينزوي بعيدا عن الناس ، يخلق له عالمه ، لا يريد الواقع، لانه مؤلم ومر، فيهرب إلى واقع آخر يصنعه ويعيش فيه ، فمعاناته تدور في داخله ، وتأثيرها يدور في فلك أسرته ، وهو الذي يرفض أنه مريض، ولكنه في الأخير يذعن للعلاج ويُرغم عليه حتى يتحسن . أما صاحبنا صاحب الشخصية النّمامة أو الغيبة ، فهو من أشد وأصعب الشخصيات، لأنه يدخل ضمن مجموعة الانحرافات في الشخصية ، فلا علاج له ولا رجاء منه ، لأنه يقوم بالفعل ويدري أنه خطأ ويصر عليه ويرفض من يدينه بفعله هذا ، مثله مثل صاحب السلوك العدواني ” نمط الشخصية السيكوباثية - الشخصية المضادة للمجتمع” ، وهذه الشخصيات ممن تمارس سلوك النميمة والغيبة فإنما تتخذ هذا السلوك لكي تعيد التوازن لنفسها فتظهر أناء سلوكها عن الحبيس من الميول المحظورة التي لم تفلح في ضبطها والتحكم فيها
ولو تساءلنا كيف نميز اضطراب الشخصية عن الاضطرابات النفسية ؟
أول ما يميز اضطراب الشخصية هو عدم التوافق بين الشخص وبيئته ، بعكس مريض النفس، حيث يكون الاضطراب في مكونات الشخص الداخلية، وعدم توافقها مع الذات ، فهو يشكو من اضطرابه ، ويدركه تماما ، أما مضطرب الشخصية فالذي يشكو منه هم من يحيطون به ، أي المجتمع ، ويبقى على اتصال بالواقع الذي يعيش فيه ، وإن كان هذا الاتصال مضطربا يؤدي الى شكوى البيئة المحيطة به ، ويعوق تكيفه نتيجة لرفض الآخرين له
يقول عالم التحليل النفسي “مصطفى زيور” ان العدوان طاقة انفعالية لابد لها من منصرف ، ولا مناص من أن تتخذ لها هدفاً تفرغ فيه شحنتها الزائدة ، وفي الظروف الاجتماعية العادية يجد العدوان منصرفا في أنواع النميمة وتجريح الغير أو في النكتة اللاذعة
إذن النميمة هو سلوك عدواني غير مباشر موجه نحو الاخرين بطريقة تتخذ الشدة والقساوة على النفس اولا ولكنه تنقل هذا العدوان او استبدل هدف بهدف وهو الاخرين ثانيا ، ويرى (د. احمد عكاشة) ان مجموعة اضطرابات الشخصية تتضمن اضطرابات سلوكية محددة تتميز بأفعال متكررة لا يوجد ورائها دافع منطقي واضح ولا يمكن التحكم فيها وبشكل عام تؤذي مصالح الشخص ومصالح الاخرين ، وترى الدراسات النفسية المتخصصة ان الشخص الذي يقوم بهذا الفعل وهذا السلوك تصاحبه اندفاعات بالفعل لا يستطيع التحكم فيها
ان الفرد الذي يمارس سلوك النميمية والغيبة يعبر عن قلق ويأس وشعور بالذنب ولكن ذلك لا يحول دون تكرار الفعل مرة اخرى . ويمكننا القول ان نشوء هذا السلوك ناجم عن عدة اسباب في طفولة الشخص وهي الطفولة التي تفتقر الى المحبة بل تربى الشخص في صغره على الطاعة المطلقة ، او في اسرة دينية متزمته لم تعطي له الفرصة في التعبير عن ما بداخله كطفل ، واستمر هكذا حتى تجسدت بصورة اوضح افعال تمثل النميمة والغيبة كنوع من التفريغ لتلك الشحنات الانفعالية المكبوتة التي وجدت طريقها بوساطة تناول الناس بالتجريح دون اي سبب او عداء بينه وبين من يتناوله بالغيبة او النميمة ، وترى الدراسات النفسية ان صاحب هذه الشخصية لا يتعلم كثيرا من التجربة ، كما انه لا يكاد يتأثر بالتوبيخ او ردود الافعال الجارحة من الشخص الذي تناوله او من الاخرين المحيطين به او الجزاء الذي لحق به ، وقلما يشعر بالندم او الذنب ، واذا شعر بالخجل فهو شعور مؤقت وسطحي


_______________________


الدكتور أسعد الامارة

أستاذ جامعي وباحث سيكولوجي

No comments: