.. قديماً قالوا : " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ".. علمونا معنى هذه الحكمة الحادة المسنونة صغاراً. فمضينا وهذا السيف الخفي يخيفنا ويحز في أعماقنا.. وعشنا نحسه يمزق وجداننا كل يوم عشرات المرات . . علمونا أن نحترم حكمة " لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ". أرهبونا من عاقبة التأجيل والتسويف والمماطلة، فكنا نقاوم التعب والنعاس أطفالاً. ونسهر بعد اللعب البديع.. نسهر والإرهاق يهدُّ أبداننا الضعيفة كي نعمل الواجب المدرسي الثقيل، جزعاً من تأجيله إلى الغد، وخوفاً من سطوة العقاب في الغد . . فكنا نعمله بطريقة سلق بيض، سرعة بسرعة . . وكبرنا وكبرت معنا قيمة السرعة، فأصبحت تصاحب أشياء كثيرة في حياتنا، فمنا أصبح يتحدث بسرعة، يتحرك بسرعة، يرتاح بسرعة، يعمل بسرعة، يفكر بسرعة، يحب بسرعة.. ويملّ بسرعة وباختصار شديد غدونا نعيش بسرعة في عصر السرعة، حتى مشاعرنا، أفكارنا، أحلامنا، أمست تتبدل بسرعة . . تتغير بسرعة.. تتلاشى بسرعة . . وما أن تأتي عطلة ما .. عطلة شتاء قصيرة، أو عطلة صيف طويلة، حتى تجدنا لا شعورياً نشتاق الراحة ونحلم بالاسترخاء، اشتياق الظمآن السائر في صحاري بلا واحات .. فما أن تبدأ العطلة حتى يسارع هذا المتعب المرهق المسكين "لاحظ أيضاً يسارع .." يسارع لاختلاس لحظات ممطوطات يحلو له أن يعيشها بترف التثاقل ورفاهية الاسترخاء، ملقياً عن كاهله حد هذا السيف الخفي المسنون، متجاهلاً مخاوفه من بأس سلطانه وقوته .. تحت وطأة عذاب التوتر السريع المتصل الإيقاع، وتحت ربقة هذا الشعور الطاحن بهدير شلال الدقائق الحادة الجارفة .. تلك التي ترهق أعصابنا وتسحق نفوسنا صباح مساء كم يحلو للإنسان أن ينتصر على تلك الأحاسيس، أن يخلص منها ليختلس لنفسه ساعات وحدة نائية، يحظى فيها بلحظات استرخاء هائمة لا هوية لها، ولا حجم ولا شكل ولا لون ولا زمن .. لحظات مطموسات يعيشها مستمتعاً بذاته، متلذذاً بذكرياته.. فما أروع وما أجمل وما أبهج .. سيل الذكريات فلنهدأ قليلاً.. لنقبع بعيداً عن سرعة إيقاع الساعات الساحقات.. لنتروى بعض الوقت بعيداً عن ثقل المسئولية وجدية الطموح وشهوةالنجاح لنسترخي بعيداً عن أعباء الحياة المرهقة بضغوطها اليومية الغارقة في تيارات التفوق وإثبات الذات .. ولو لساعات نعم .. لا بد من لحظات توقف حاسمة.. لا بد من لمحات هدوء ناعمة نعيد فيها ترتيب الأوراق بتروي وتمعن.. فهذا اللهاث الدائم المتصل، وهذا الطحن الذائب اللامنقطع، لن يتوقف أبداً من تلقاء ذاته .. مستحيل لا بد أن نوقفه نحن ذات لحظة عميقة واعية نعيشها برؤى جديدة، بأحاسيس جديدة، بأحلام جديدة، بأماني جديدة .. فكم هو رائع هذا الجديد.. ولكم هو ممتع أن يعايش الإنسان نفسه مستمتعاً بصحبة ذاته، مسترجعاً لذيذ ذكرياته .. فما أروع وما أجمل وما أبهج.. سيل الذكريات
Archive
-
▼
2007
(50)
-
▼
November
(25)
- "فداك أشواقي ... أيتها "الصديقة الغالية
- قمة القوة
- سياج عيون
- سيل الذكريات
- لو علمنا الغيب ؟
- أقوال .. لا أفعال
- نمعن في تجاهل الزمان
- أنت حين تتألم
- جدار الواقع
- نحن لا نفهم الحب
- لحن يُعزف تلقائياً
- العين الثالثة
- عشقوا الكلمة ... فعشقتهم
- الآخر
- لسنا مغناطيساً .. فارغاً
- تفاءلوا بالخير .. تجدوه
- هل هذا معقول ؟
- العذاب ليس له طبقة
- حرية رسم الأزهار
- أنا ونفسي والشيطان
- لماذا تمرض نفوسنا ؟
- وما هم بخارجين من النار
- الغيبة والنميمة .. مدخل لمعرفة الشخصية
- شيء لا يُشترى
- لا تقل إني فاشل
-
▼
November
(25)
No comments:
Post a Comment