Nov 21, 2007

حرية رسم الأزهار


الفن لا يعرف الزمن .. ولا يفهم الوقت، إنه شيء يتحرك من الداخل .. ينبض .. يعيش .. ثم ما يلبث أن يخرج إلى الهواء الطلق مولوداً بديعاً وديعاً يعشق الحياة، ويعشقه الآخرون .. لما يختزنه بين جزيئاته .. من حياة !! ونقف أمام العمل الفني .. نحدق .. نحملق .. ثم نبدي إعجابنا أو نفورنا، فقد يحلق أحدنا انبهارا بلوحة ٍ ما، في حين يتجمد آخر بلا حراك .. بينما يبتعد ثالث مشيحاً بوجهه عما يرى، لأنه لم يتأثر، وبالتالي لم يعجب .. أو لأنه قد تأثر كل التأثر، ولم يطق صبراً، خاصة إذا كان العمل الفني موجعاً ببعض القسوة .. وكثير من العنف !! اختلاف ردود الفعل هنا، لا تعنيه أبداً أن هذا جميل، وهذا قبيح، وإنما تعني أن لكلٍ منا تعبيراً خاصاً يدل على أن أذواقنا مختلفة، وأن لكلٍ منا انطباعاً
خاصاً يمضي معه، ويعيش داخله، وينطبع معه بلا شعور، أو وعي على العمل الفني فينعكس رغبة .. أو نفوراً

ونتوجه إلى معارض الفانين، تلك التي تحفل بأعمالهم الفنية الرائعة، النابعة من إحساس مخزون في أعماق الذات، أو من تأثير شعوري بالبيئة المحيطة بالفنان ! . لذا .. أجدني رغماً عني أميل إلى تشبيه الفنان بالنحل، ذلك النحل الذي يطوف باحثاً عن الأزهار الحاوية للرحيق، فإذا به يقطع مسافة تزيد عن ثلاثين مليون كيلو متر، يقوم خلالها بأربعين ألف رحلة ذهاباً وإياباً، لينتج قرصاً واحداً .. من العسل !. والفنان يحتاج كي يرسم لوحة إلى إحساس معين، يحتاج إلى نبض خاص يفيض في أعماقه، كي تتفتح حواسه، وتلتهب مشاعره، وتضطرم روحه، ويتأجج وجدانه، وينتج هذا العمل الذي يرضى عنه .. ويقنع به. فكثيراً ما تأتي الأعمال الفنية خلاصة معاناة ذاتية، وتوهج داخلي، وكما يأتي العسل رديئاً إذا امتص النحل الرحيق من أزهار حديقة مسوّرة مغلقة.. يأتي العمل الفني حزيناً غريباً إذا انبثق من وراء جدران عالية . وهنا أذكر الرسام الياباني الذي كان معروفاً برسم الزهور الملونة الجميلة، ولما أبدى أحد الهواة دهشته
لأن الرسام لم يطرق مواضيع أخرى .. أجابه باسماً : أريد أن يكون لي وجه جميل حين أصير هرماً

ومع الأزهار .. والأشجار .. والأطيار .. وفي قلب الحدائق الغناء يحلو الوقت، حيث الحرية والانطلاق، وحيث يطيب للفنان البقاء بين أحضان الطبيعة الأم المعطاء. وفي هذا يقول الكاهن الأكبر منذ قديم الزمان .. اتركوا الرسامين في الحقول قبل البدء في وضع الألوان، يجب أن تغترف عيونهم من الطبيعة. فالرسم كئيب إذا وُلد في الأماكن المغلقة

No comments: