ألم . عذاب . حيرة . ضيق . توتر . معاناة
أحاسيس عظيمة طاغية، تثور في نفس الإنسان فتطحنه وتسحقه، تبدّد ذاته ذرات مهما حاول بعدها أن يتصلب، يتماسك، يلملم شتات نفسه الضائعة .. تظل جهوده هباء في هباء ..
هذا هو الألم الذي قال عنه الكاتب "الفريد دي مونسيه" * : لا شيء يجعل الإنسان عظيماً غير ألم عظيم
لكن . . يبقى هناك تساؤل يظل معلقاً في الذهن عن ما هية الألم !؟ وكيف يفعل فعله هذا في الإنسان !؟ كيف يفتك به؟ كيف يفترسه حتى لا يكاد يبقى منه شيئاً .. كيف يكبله؟ .. كيف يقيده، كيف يجعله غير قادر على العمل، على العطاء، على الإنتاج !؟
فالألم عندما يداهم واحد من البشر، يأتي عليه، يكاد يحيله جثة تعسة خامدة، جثة تتنفس، تتحرك لكنها، لا تشعر سوى العذاب والكآبة والانقباض، جثة قد ترفض المشاركة بأي دور ولو يسير في دنيا الحياة
. . . وهنا
يطل التساؤل برأسه ثانية .. ترى ماهية الألم ؟
الألم الذي أتحدث عنه الآن عزيزي الكريم، ليس هو الألم الجسدي الذي ينبهنا إلى وجود مرض في الجسم، فنندفع لعلاجه أملاً في الشفاء
وإنما هو الألم النفسي الذي ينبهنا إلى عيوبنا، فنندفع لإصلاح أخطائنا، ربما بدافع من الإحساس بالندم أو عذاب الضمير
هذا هو الألم بمعنى الإحساس السامي الذي يميز الإنسان المتحضر عن الإنسان البدائي وكأن الألم هو النار التي تصقلنا، النار التي تجعلنا أكثر صفاء، النار التي تحول الفحم داخلنا إلى ماس لامع براق .. هذه هي نعمة القدرة على التألم .. أما هؤلاء فاقدي الإحساس بالألم، عديمي الشعور بالعذاب بالندم، هؤلاء المجردين من نعمة القدرة على التألم ما تلبث أن تحولهم نار الألم إلى رماد لا قيمة له
.. فالألم هو الأداة الغامضة التي تنبهنا إلى حقيقة أنفسنا، الأداة التي تفتح عيوننا على بشاعة أخطائنا. فلنعمل جاهدين
على التخلص منها
إذن الألم ..
باختصار شديد من وجهة نظري هو تلك القوة المبهمة والقوة المحركة التي تجعل عقولنا تسيطر على أنفسنا، فتجعلنا نتراجع، نفكر، نتصرف بطريقة أخرى .. طريقة نقية صافية .. ومن هنا تنبع السعادة الحقيقية .. فنحن عندما نعاني .. عندما نتعذب .. عندما نتألم .. نصبح بالتالي أكثر عطفاً على الآخرين ..
أكثر تسامحاً معهم
أكثر إحساساً بوطأة آلامهم .. وبالتالي .. أكثر إنسانية
____________________
شاعر فرنسي، ولد في عام 1810 ورحل عام 1857 *
شاعر فرنسي، ولد في عام 1810 ورحل عام 1857 *
No comments:
Post a Comment