القرآن نفى إمكانية خروج من يدخل النار في الكثير والعديد من آياته، قال سبحانه: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) المائدة . ويقول أهل النار: (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون، قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) المؤمنون . ويقول: (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) البقرة ، ويقول الله لمحمد عليه الصلاة والسلام: (أفمن حق عليه كلمه العذاب أفأنت تنقذ من في النار) الزمر ، والكلام لرسول الله مباشره في استفهام استنكاري. والله ينكر على رسوله أن يقول مثل هذا الكلام، وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماما مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار، مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعه ولا أساس لها من الصحة. إن درجات النار وأقسامها قد تحددت سلفا في القرآن، ومواقع المجرمين قد عُلمت مسبقا، قال تعالى: (وإنّ جهنم لموعدهم أجمعين ، لها سبعه أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) الحجر . فكل مجرم قد تحددت مكانته من قبل في النار ، واختصت به، واختص بها .. وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن إخراج الرسول عليه الصلاة والسلام بشفاعته للبعض من النار وإدخالهم الجنة يناقض صريح القران ، ولا يمكن أن يكون له أساس من الصحة. وشفاعة الملائكة للبعض في القرآن لا تأتي أبداً سابقه للحكم الإلهي بالعفو، بل تأتي بعده كما قال سبحانه (لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى). فالحكم الإلهي بالعفو يأتي أولا, وتكون شفاعة الملائكة أشبه بالبشارة .. حينما تعلم الملائكة أن الله قد ارتضى تبرئة فلان فإنها تبشره, فالمقام الإلهي مقام جليل مرهوب .. وفي الحضرة الإلهية، لا يملك أحد أن يسبق الله بكلمه أو رأي (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) الأنبياء. وفي سوره النبأ الآية 38 يقول القران عن الملائكة (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) ، (وكم من ملك في السموات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). ومعنى ذلك أن شفاعة الملائكة لا تأتي إلا بعد الإذن وبعد العلم بان الله قد عفا عن فلان .. فهي بشارة وليست شفاعة، وهي اقرب إلى التهنئة بالنجاة . والقانون العام في ذلك اليوم .. يوم الدين .. يوم تُدان الأنفس بما عملت .. أنه لا شفاعة تجدي، ولا شفاعة تقبل .. لأنه لا أحد يملك هذه الشفاعة .. فلله الشفاعة جميعا.. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار .. لا أحد غيره .. ولا كلمة إلى جوار كلمته، (يوم لا تملك نفسٍ لنفسٍ شيئا، والأمر يومئذ لله)، لا تملك أي نفس لأي نفس .. مهما علا مقام هذه النفس التي تشفع، ومهما بلغت درجتها .. لا تملك من أمر الله شيئا ، ويلخص القرآن قانون هذا اليوم الرهيب في كلمات قليله ، (قل لله الشفاعة جميعا)، فجمعية الأمر والنهي في يده وحده .. هو وحده الملجأ والملاذ وجمعية الشفاعة بأسرها في يده ، فهو وحده صاحب العلم المحيط وهو وحده أرحم الراحمين، ولا يستطيع مخلوق أن يدّعي أنه أكثر رحمه بعباد الله من الله، أو أعلم بهم منه .. فهو وحده عالم الغيب والشهادة .. وهو وحده الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيط أيّ منهم بعلمه إلا بما يشاء .. وهو وحده الوليّ، وهو يحييّ الموتى ، وهو على كل شيء قدير، (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) . والجزاء في هذا اليوم على قدر العمل، والعفو والصفح حقُ لله تعالى وحده، فلله الشفاعة جميعا، لا يشاركه في هذا الحق مخلوق، وإذا كان الهدف من شفاعة الشفعاء هو إضافه معلومة عن عذر المذنب وظروفه فالله تعالى أعلم من أي مخلوق .. يقول القران (إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنه في بطون أمهاتكم..) - فمن منكم عنده مثل هذا العلم الإحاطي- لينافس رب العالمين في هذا المقام .. لا أحد قطعا .. والله وحده هو الجدير به .. ولهذا تخلص الشفاعة له وحده في جمعية تنفي تدخل أحد .. ولا يملك الكل إلا أن ينتظر ما تنطق به المشيئة، وتبقى بعض حالات مفوض أمر أصحابها في الآخرة إلى الله عز وجل وحده مثل ما جاء في هذه الآيات : (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)، (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)، ومنهم المستضعفون في الأرض يُقال لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيله ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا) . فهو وحده الذي يتكرم بهذا العفو .. ويبقى السؤال عن المقام المحمود ما هو؟ ومن يكون الموعود به في القران .. ومن كان المخاطب بهذه الآيات من سوره الإسراء (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلا، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا .. أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا .. ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). والمخاطب هو محمد عليه الصلاة والسلام وحده لا سواه بلا شك ، والمقام هو مقام البشارة العظمى، - والله أعلم - وليس مقام الشفاعة العظمى كما يذكر المفسرون وذلك لأن جمعية الشفاعة كلها لله وحده كما ذكر القران وكرّر في محكم آياته وأنه لا أحد أعلم بخلقه منه، ولا أرحم منه .. فهو أرحم الراحمين، وليس لله منافس في هذا، ولا يجوز أن يكون له منافس في هذا المقام .. والأقرب أن يكون هذا المقام المحمدي هو مقام البشير الأعظم .. ويؤكد ذلك القران مكررا في آياته أانه هو الذي أرسل رسوله للعالمين نذيرا وبشيرا .. وبحكم القرب من الله سيكون أول من يعلم بالعفو عن السعداء من أمته، وسيكون أول من يبشرهم بالجنة والرضوان .. -أقول ذلك اجتهادا والله اعلم - فالموضوع غيب .. ويوم الدين بأهواله .. وبما سيجري فيه هو غيب الغيب ، ولا يملك قارئ القرآن إلا أن يحاول الفهم دون المساس بالثوابت القرآنية .. وخصوصية المقام المحمدي من الثوابت التي لا شك فيها .. والقران هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف، فقال في كتابه المحكم .. ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .. المحفوظ من رب العالمين، وهو الكتاب الوحيد الموثق بين كل ما تبقى من كتب مقدسة بين أيدينا ، وهو المهيمن عليها جميعها بلا استثناء. الم يقل ربنا تبارك وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران الآية 128 (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)فكيف نقلب الأمر ونجعل من النبي صاحب الأمر يوم القيامة والمنفرد بالشفاعة من دون الله .. وهو الذي قال له معاتبا .. ليس لك من الأمر شيء ..وحينما جاء البلاغ للنبي في سورة الشعراء : (وأنذر عشيرتك الأقربين) الشعراء ، ألم يبادر النبي فينادي على أهل بيت خديجة إني لن أغني عنك من الله شيئا، يا عائشة إني لن أغني عنك من الله، يا فلان يا فلان .. ولم يدع أحداً من أهل بيته إلا أبلغه ، وهذا كلام السيرة ، وكلام كتاب السيرة أنفسهم أن النبي قد أخلى مسئوليته وتبرأ من الوساطة لأحد حتى لأعز الناس .. حتى لابنته الغالية ومهجة قلبه فاطمة. فكيف انقلبوا بعد ذلك على أنفسهم وكيف نُكسوا على رؤوسهم وجعلوا من النبي وسيطا يتشفع عند الله ليخرج من النار بعض من دخلها من أمته .. فيخرجهم ربنا من النار وقد امتحشوا من أثر جهنم -أي تفحموا- وكيف يقبل هذا الكلام ويوضع في كفة واحدة مع كلام الله المحكم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف نقلب موازين العدالة في ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان ونحوّلها إلى وساطات وشفاعات وتزكيات ونجعل من أنفسنا صفوة الأمم .. وخيرها على الإطلاق
Archive
-
▼
2007
(50)
-
▼
November
(25)
- "فداك أشواقي ... أيتها "الصديقة الغالية
- قمة القوة
- سياج عيون
- سيل الذكريات
- لو علمنا الغيب ؟
- أقوال .. لا أفعال
- نمعن في تجاهل الزمان
- أنت حين تتألم
- جدار الواقع
- نحن لا نفهم الحب
- لحن يُعزف تلقائياً
- العين الثالثة
- عشقوا الكلمة ... فعشقتهم
- الآخر
- لسنا مغناطيساً .. فارغاً
- تفاءلوا بالخير .. تجدوه
- هل هذا معقول ؟
- العذاب ليس له طبقة
- حرية رسم الأزهار
- أنا ونفسي والشيطان
- لماذا تمرض نفوسنا ؟
- وما هم بخارجين من النار
- الغيبة والنميمة .. مدخل لمعرفة الشخصية
- شيء لا يُشترى
- لا تقل إني فاشل
-
▼
November
(25)
No comments:
Post a Comment