Nov 7, 2007

نمعن في تجاهل الزمان



عمر الإنسان.. هل يقاس بعدد السنين التي عاشها.. أم بحجم الشعور الذي يضمه قلبه؟ هل هو يخضع لمبدأ الكم؟! أم الكيف ؟
هنا تختلف الآراء، فالبعض يقول: سنوات العمل هي المقياس الوحيد، فالشباب شباب، والشيخوخة شيخوخة
البعض الآخر يركز على قيمة الإحساس، وكيف يشعر الإنسان بعمره ؟! هل يرى نفسه شاباً عجوزاً أم عجوزاً شاباً ؟
فكثير منا قد يلهون عن أنفسهم، ويُنسون في ضجيج وصخب الدنيا أن ينظروا في شهادات ميلادهم، أو حتى أن يذكروا مواعيد ميلادهم. إنهم يكونون مشغولين دوماً بالأهم والأعظم، فالدنيا ملهاة، وقليل من يفيق من تأثيرها ليقف ثابتاً ينظر حوله، فالعيون.. أغلب العيون تدور في فلك واحد، ومحيط واحد قلما يتغير
وينهمك كل منا في عبور محيطه الخاص، وهو في سباحته الشاقة هذه لا يلتفت إلى الآخرين، ربما كان لا يسمعهم ولا يراهم، فهدير الأمواج يصم الآذان، ورذاذ المياه يعيق الرؤية وفي النهاية.. عندما نعبر تيارات المياه العاتية هذه .. قد نتوقف برهة ننظر إلى أنفسنا بعين الدهشة.. أحقاً هذا الكائن الغريب هو "نحن" ؟
وندهش أكثر ونعجب أكثر وأكثر، ونحن نرى الأيام تترك آثار مرورها .. لكننا نمعن في تجاهل الزمان ويمضي كل منا حسب هواه فرحاً يوهم نفسه بأنه مازال شاباً، يحدث نفسه مرحاً .. الشباب شباب القلب
وكما قال د. مصطفى محمود : إن دقات الساعة تقدم لك زمناً مزيفاً .. ابحث عن زمنك الحقيقي في دقات قلبك ونبض إحساسك .. ومع دقات القلب، ونبض الإحساس .. ومع الفرح والمرح الذي يشعه هذا الاعتقاد الدائم الشباب، أجدني أميل إلى هؤلاء البعض الذين يُخضعون عمر الإنسان لمبدأ الكيف.. لأن هذا الرأي يقنعني أكثر.. فما معنى أن يعيش الإنسان حتى يتجاوز عمره المائة عام.. وهو خامد خائب، لا عملاً عظيماً أتى، ولا شيئاً كبيراً قدم.. وإنما فقط وُلد وعاش كأنه (فقاعة) لم تخلف أثراً وراءها
ثم.. هل يمكننا أن نقارنه بذلك الإنسان الآخر، ذاك الذي كُتب له أن يحيا حياة قصيرة .. نابضة بالنجاح ؟
هذا الإنسان الذي جاء وسرعان ما مضى .. ورغم ذلك ترك خلفه أثراً كبيراً لا يُمحى.. وخلّف وراءه عملاً عظيماًَ فارقاً، لا يمكن تجاهله .. أليس هو في الواقع أسعد حظاً من ذاك الذي قضى عمره خامداً خائباً.. لا عملاً عظيماً قدم.. ولا معروفاً كبيراً فعل ؟

الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان المعطاء، الدائم العطاء، الذي يأمن جانب الحياة، ولا يخضع لمخاوف غدر الزمان، ولا يستسلم للقلق والأحزان الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان الذي لا يفقد تعلقه بالعمل، ولا يخسر رغبته في استمرار الكفاح.. من أجل النجاح

الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان الحر، المتحرر من عبودية الروتين، غير المقيّد بسيور العادة، وغير المكبل بقيود القديم.. وكي نبقى أناساً دائمي الشباب.. علينا أن نعرف كيف نجدد حياتنا من وقت لآخر، وكيف ندخل البهجة إلى نفوسنا في أغلب الأوقات، وأن نحرص طوال الوقت، على طرد الضيق والقلق والأحزان .. كي لا تخلف وراءها السموم في الأبدان وأخيراً.. الإنسان الشاب في نظري، هو ذاك المعطاء الذي يتأثر، يحس، يشعر بالآخرين حوله، يتألم لألمهم، ويفرح لفرحهم.. فبقدر ما نتعاطف، نتراحم، نتآزر، نتعاون .. بقدر ما نمارس إنسانيتنا.. نستمتع بسعادتنا.. ونهنأ بحياتنا
بغض النظر عن عدد السنين التي نعيش.. ونحيا

No comments: