Nov 7, 2007

نحن لا نفهم الحب




نحن في الشرق نخاف الحب.. ونخجل من الكلام عنه أمام الغرباء، فإذا أردنا الإفضاء بمكنون قلوبنا اخترنا أقرب الأصدقاء.. لنشكو من تجربة.. أو لنستنير برأي
نحن حقيقة نخشى الحب، أو نقول فيه كلمتنا المأثورة (الحب بهدله)! لأن عواطفنا التي يلهبها الحب، ترهق تفكيرنا، وتتعب أعصابنا، وقلّما نستطيع تحملها، ولاسيما أن الجميع يستخف بتلك العواطف، ويظلمها حين لا نفهم هذه المشاعر على حقيقتها، ونخلط بين الحب.. والشهوة
فيا تُرى.. ما هو الحب ؟
وهل نستطيع حقاً الوصول إلى تعريفٍ له ؟؟

يقول (سقراط) : الحب ألوان كما أن الجنون ألوان
أما (أبقراط) فيقول: الحب امتزاج النفسين، كما لو امتزج الماء بماء مثله عسر على تخليصه بحيلة من الحيل، والنفس ألطف من الماء وأرق مسلكاً ويقول الدكتور (جودت مدلج) في كتابه الحب في الأندلس: الحب يتميز عن الشهوة بأنه نزعة عطاء للشخص المحبوب، فيما الشهوة نزعة امتلاك له، وبين هاتين النزعتين فرق شاسع. فالرجل عندما يشتهي امرأة يعني أنه يريد امتلاكها لذاته، وفي هذا الامتلاك عبودية وأنانية.. ولكن عندما يحبها يعني أنه يريد منحها ذاته، وفي هذا تجرد ونيل.. وهكذا تقتصر الشهوة على حب الذات، بينما يتسع مفهوم الحب ويسمو إلى العطاء
ويعود يقول في نفس المصدر : الحب أرقى عملية يمارسها الإنسان، لأنه من خلالها تستطيع مكوناته الجسمية والنفسية والعقلية جميعاً أن تمارس أعلى وظائفها وأعمقها تغلغلاً في كيان الإنسان. والحب عملية واعية فاهمة عميقة، بل لعلها العملية الوحيدة التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يصل إلى أعمق أعماق شخصيته
في هذا يقول (بيتر فيلتشر) : البحث عن الحب إنما هو بحث لمعرفة الذات، ورغبتنا في الحب هي رغبتنا لأنه يعترف بنا لا من أجل ما نفعل ولكن من أجل ما نكون
.. ويدور بخلدي سؤال.. سؤال جلست أفكر به طويلاً، وأبحث كثيراً عن إجابة له تخلّصني من تلك الحيرة التي أحس بها وأعانيها
تُرى.. هل من الأفضل لنا أن نكون محبين.. أم محبوبين..؟
وبمعنى آخر .. هل من الأفضل للإنسان إعطاء الحب وتقديمه للآخرين، أي يكون محباً ..؟ أم الأفضل له كسب حب الآخرين ويكون محبوباً..؟
قد يفضل البعض أن يكونوا محبوبين يحصلون على الحب من كل الناس.. فلا شك أن هذا الشعور يرضي غرور الإنسان ويشبع أنانيته وربما يستشهدون على صحة رأيهم هذا بدور الطبيعة الأم، وكيف تقدم الحب أولاً للإنسان حين يولد صغيرا.. ً ضعيفاً.. فتجد الأم تقدم له كل ما تملك من حب.. وحنان.. ولكن.. هذا الصغير الضعيف الذي يزعمون أنه يأخذ الحب أولاًً، ألا يقدم الحب على طريقته الخاصة لأمه منذ ولادته ؟؟ أليس هدوء الطفل وسكينته على صدر أمه دون باقي البشر تعبيراً ما عن الحب ؟؟ أليست بسمته لها تعبيراً عن شعوره بالحب اتجاهها ؟؟

وأعود للتفكير في هذا السؤال الذي يبدو لأول وهلة سهلاً.. وإن كان يحتاج في نظري إلى تفكير وتقدير.. قبل وضع إجابة مرضية ومقنعة له
هذا السؤال في قناعتي لا يحتمل إجابة واحدة.. هي أن نقدم الحب أولاً، فالإنسان القادر على الحب.. لا بد أن يكون إنساناً محبوباً بالتالي

فمردود الحب.. هو الحب
وناتج الحب.. هو الحب
فقلوب البشر مثل المرآة.. ولا توجد مرآة تعكس الضوء ظلاماً.. وهكذا هي القلوب.. إذا قُدّم لها الحب حتماً ستقدم الحب.. إذن من الأفضل أن نحب.. لأننا هكذا سنحظى بمتعة الحب ونعمة المحبة
وإذا كان الحب عملية فاهمة واعية عميقة، فلماذا لا نعبأ بأن تنبض قلوبنا دوماً به.. كي نعيش سعداء، يشدنا جميعاً أقوى رباط، وأسمى عاطفة، وأرق شعور.. شعور يحفل بالنيل والتجرد والعطاء، عطاء الذات، عطاء كل شيء
ألا.. وهو.. الحب

No comments: