Nov 28, 2007

لا تقل إني فاشل


الفشل... لفظة لا وجود لها في قاموس حياتي، لأني لا أعترف بها، وأستبدلتها بجملة أنا لم أوفق. لا تستعجلوا وتحكموا على من يقول هذا بأنه محظوظ، وأن حياته مليئة بالمسرّات، وأنه حاز كل ما يتمناه ! لا تقيّّموا شخصاً ما أنه إنسان ٌ فاشل أو ناجح.. لأنها مقاييس لا وجود لها عند من يحقق الإيمان بأحد أركانه وهو الإيمان بالقدر خيره وشره. "الفشل" مظهر خارجي للعمل، يُدركه الجميع بما يظهر لهم من نتاج السعي، فإن كانت النتيجة هي ما تعارف عليها الجميع أنها رديئة فهو في عرفهم "فشل" وما تعارفوا أنه جيد وحسن، فهو إذاً "نجاح". ولكن.. أين ما وراء الظواهر؟ أين علم الغيب مما يحدث من واقع السعي؟ فقد يكون من نحكم عليه بأنه "ناجح"، هو في حقيقة الأمر أبعد ما يكون عن النجاح. ومن نرثي اليوم لفشله، قد يكون في قمة النجاح وهو أو نحن لا ندرك هذا.عندما كنت أقرأ في سيرة الصحابي "زيد بن حارثة" حِـب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلمت كيف لا أصدر حكمي على الأمور بظاهرها، أو أجعلها مقياساً لتحديد النجاح والفشل في حياتي. عندما أراد الصحابي زيد - رضي الله عنه - الزواج ولما كانت منزلته الكبيرة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد لها الجميع، فقد خطب له النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب - رضي الله عنها وأرضاها - فقبلت به لأنها تعلم تلك المنزلة، رغم فارق النسبين.. فقلت في نفسي : إنهما مثالا لأنجح زوجين، فهو ربيب النبي عليه صلوات ربي وسلامه، ويملك ما يجعله مثال الزوج الصالح في نظر أي إمرأة.. وهي إبنة الحسب والنسب العفيفة الشريفة ذات الأخلاق الكريمة، ولست أهلاً لأزيد من الثناء عليها رضي الله عنها. ومع ذلك، انفرط عقد زواجهما، وانفصلا بالطلاق ! فهل يمكنني أن أصف زيداً بأنه "فاشل" ؟ وهل يمكنني أن أصف زينب بأنها "فاشلة" ؟ أليس الطلاق بين الزوجين علامة لفشلهما في تحقيق الاستقرار الأسري؟ إذاً حسب المقاييس التي اتفق الجميع عليها، هما " فاشلان" وحاشا لله أن يكونا كذلك. فقد قدّر رب العالمين أن تنتهي رابطة الزواج بالإنفصال.. ليبدأ بعدها رباط أقوى وأسمي لكل منهما. فقد كان أمر الزواج والطلاق بعد ذلك لحكمة خفيت على الجميع، وهي إبطال التبني، ونحن نعلم أن زيداً كان في البدء يُنسب لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بحكم تبنيه له. وكان يُدعى "زيد بن محمد". ولأن الله أنزل تشريع الأحكام متدرجة بما يتناسب مع المجتمع حينها، وقد تعارف الجميع على جواز التبني، وجواز أن يرث الرجل إحدى نساء أبيه بعد موته. طلق زيدٌ زينب... فأمر الله تبارك وتعالى نبيه أن يتزوجها... فأدرك المسلمون أن التبني محرم، والدليل زواج نبيهم بطليقة من نسبه إليهالله أكبر ! وها هي زينب قد تحولت في نظر النساء إلى امرأة محظوظة ناجحة، وتزوج زيدٌ من إمرأة أخرى، وأنجبت منه أسامة بن زيد بن حارثة حب ِ ابن حبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ونجح في تربية "أسامة" الصحابي القائد لجيش يضم كبار الصحابة، وهو في الخامسة عشرة من عمره !! . فأين تقييم "الفشل" و "النجاح" في ما حدث ؟! ولأضرب لكم مثلاً من عصرنا الحاضر: يتقدم طالبان لامتحان القبول لمعهد العلوم المصرفية ! ينجح الأول في امتحان القبول وبتفوق، ويعود لأهله يُبشرهم بهذا "النجاح"، بينما لم يحقق الثاني درجة القبول، فيرجع لأهله ليلقى اللوم والتقريع على تقصيره في الاستعداد للإمتحان بمزيد من الدراسة والمذاكرة، رغم أنه بذل أقصى ما بوسعه!.. ولأنه في نظر من حوله، ونظره هو أيضاً "فاشل" فقد أصيب بالإحباط، وانزوى في بيته يتجرع كؤوس الندم. الأول يصبح رئيس بنك ربوي عظيم ذو شأن بمرتب كبير، مكنه من اختيار زوجة جميلة من أسرة عصرية، وعاش حياة مرفهة.. وأما الثاني فما وجد أمامه سوى أن يتعلم مهنة بسيطة عند أحد الصناع.. فاكتسب منه خبرة ومهارة أهلته ليفتح ورشة منفصلة بعد سنوات. حقق منها دخلاً مناسباً ليبني أسرة ناجحة.. وعاش حياته برضى وقناعة.. ومع مرور السنوات أصبح مالكاً لأكبر الشركات التجارية والمقاولات الإنشائية. في رأيكم .. من هو "الفاشل" و من هو "الناجح" !؟ هل هو الأول، الذي جنى أموالاً ربوية كنزها و سيحاسب عن مدخله ومخرجها ؟ أم هو الثاني، الذي رُزق رزقاً حلالاً طيباً من كدّه وعرقه، وصرفها في إسعاد أهل بيته ؟! لو كنت مكان الأول، لتمنيت لو أني لم أنجح في امتحان القبول.. ولو كنت مكان الثاني "الفاشل" لحمدت ربي على عدم توفيقي في الإمتحان.. "فشلي". إن ما يحدث لنا، إنما هو ابتلاءات من الله، أو استدراج لمن اختار طريق الغواية ودروب الشيطان. قد يحدث أن تسير على طريق شائك حافي القدمين، وبدون انتباه تدخل شوكة في باطن قدمك، قل الحمد لله.. فما أصابك من ألم ٍ فيه خير لك، فقد كفـّر الله بها خطاياك، وأثابك على ألم الشوكة... أفلا تقول الحمد لله ؟ تتقدم لطلب وظيفة فتـُرفض ويُـقبل غيرك رغم استحقاقك لها، قل الحمد لله.. فعمل ٌ أفضل منه ينتظرك، وهو أصلح لك من الأول . وقد يكون رئيسك فيه أطيب خلقاً ، أو تجد فيه صحبة طيبة ، أو يكون محل العمل أكثر قرباً لمسكنك فتكسب الوقت لقضاء عبادة تنفعك في الآخرة... أفلا تقول الحمد لله ؟ تتقدم لخطبة إحدى النساء اللواتي تحلم بالزواج منها، فتعترض أمورك عوائق، قل الحمد لله.. فزوجتك الصالحة تتنظرك، لتلد لك أبناءاً أصحاء، ربما ما كانت الأولى ستلد لك مثلهم !... أفلا تقول الحمد لله ؟ تعزم على السفر لقضاء مهام أو عقد صفقة تجلب لك المال والسمعة والوجاهة، ولكنك تفوّت موعد الطائرة، فتـفقد صفقتك.. قل الحمد لله.. فربما خسرت صفقة تجلب لك مالاً، ولكن ربما كسبت مقابلها فرضاً للصلاة صليته في مسجدك وخشعت له جوارحك وبكت له عيناك، فكسبت مغفرة ورحمة من الله تضفي عليك سعادة لم يذقها أحد ٌ من قبلك! فقات اللاهثين خلف جمع المال !.. أفلا تقول الحمد لله ؟


لا تقل "فشلت" .. بل قل .. "لم يوفقني الله في هذا الأمر، ولعل توفيقي في أمر آخر" .. والحمد لله على كل حال

لا تقل "أنا فاشل".. بل قل .. "أنا متوكل".. وخذ بالأسباب.. وقل الحمد لله على ما قدّر لي مسبّب الأسباب

لا تقل "أنا لا أملك شيئاً ".. بل قل.. "الله ربي ادخر لي من الخير ما لا أعلمه ".. والحمد لله يرزق من يشاء بغير حساب

لا تقل " أنا لا شيء " بل.. أنت شيء.. كما أنا شيء.. والآخر شيء فاطلب ربك أن يدخلك في رحمته التي وسعت كل شيء. وأنت شيء.. أنت في نظري كل شيء


يا عاقد الحاجبين.. ابتسم من فضلك، ولا تحزن.. وعاود الكرّة .. واستخر ربك في كل خطوة تخطوها.. وارض بما قسمه الله لك من نتيجة أمرك.. ولا تقل بعد اليوم "أنا فاشل".. بل قل : "أنا ناجح" بإيماني.."أنا ناجح" بطموحي لإرضاء ربي.. "أنا ناجح" لحبي لنبيي.. "أنا ناجح" لأني مسلم.. وهذا يكفيني

Nov 27, 2007

شيء لا يُشترى



أبدأ مقالي هذا بحوارٍ تساؤلي بيني وبينكم ، والسؤال الذي أريد طرحه عليكم : ما هو الشيء الذي لا يُشترى بمال الدنيا؟
مِنْ المُؤكد والبديهي أن نقول جميعاً : السعادة ؟
فأقول لكم : أنه من الممكن أن تُشترى السعادة لفقيرٍ بحفنة من المال
تقولون الحياة ؟! فأقول لكم : أن بعض قبائل أفريقيا يهبون حياة المحكومين بالإعدام لمن يشتريها ببقرة أو ثور
تقولون الصحة ؟! فأقول لكم : بالتغذية السليمة وبالعلاج الدقيق الذي يحتاج إلى المال .. قد تُشترى الصحة
تقولون الموت ؟! فأقول لكم : قاتل محترف مأجور بمبلغ من المال يقتل .. إذن فالموت لا يُشترى


تقولون الحب ؟! فأقول لكم : بالرعاية، بالعطاء، بالهدايا الثمينة .. يُشترى الحب
وهنا ضع ما تشاء من الخطوط تحت كلمة (الحب) لأوضح لكم معناه الذي أتحدث عنه


هو الحب الحقيقي .. المتنزه عن التدني، المترفع عن قبول الهدايا مهما كانت و كانت .. لا يُشترى


هو الحب السامي .. البعيد عن المكاسب الشخصية .. المتسامي عن المنفعة الذاتية .. لا يُشترى



هو الحب الصادق .. الذي يمقت الكذب، ويكره الخداع والتضليل .. لا يُشترى



هو الحب الصافي .. الخالي من شوائب الطمع، وذرات الأنانية، وأتربة الفردية، العامر بالعناية .. بالرعاية
لا يُشترى



هو الحب المجرد .. الذي لا يعرف المداهنة والدهاء، ويجهل أساليب الخداع والإلتواء، ويحفل بالمنح والعطاء

لا يُشترى



هو الحب المخلص الخالص .. الحب المتوهج المتألق .. ذالك الذي تسطع به النفس، فتشع بريقاً .. وتبث إحساساً خالصاً لا يتلون ولا يتيه .. لا يُشترى



وهو الحب اللاصق حنايا الروح .. الكامن في عمق الفؤاد .. النابع من القلب .. الداخل إلى القلب .. شيء لا يُشترى


آمل أن أكون قد وصلت أنا وإياكم إلى هذا المستوى الراقي للحب الذي ذكرته



Nov 26, 2007

الغيبة والنميمة .. مدخل لمعرفة الشخصية



يعرف “البورت” الشخصية بأنها هذا الانتظام الدينامي في الفرد للأجهزة النفسية – الفسيولوجية - والذي يحدد توافقاته الأصيلة مع بيئته. ويقول علماء النفس أن الشخصية تُعد بمثابة الجهاز المحدد للسلوك. ودلالة السلوك يمكن تعريفها بأنها الخاصة الموضوعية التي تتحقق بتكامل الدافع وإرضاءه ، فدلالة السلوك في حالة الحيوان الظمآن “العطشان” هي الدفاع ضد المشاعر الاولية للعطش وتحقيق الارتواء ، أما في حالة الإنسان فهي تعني ما يصدر من الإنسان من سلوك أو فعل او نوايا حتى وإن كانت غير متحققة ، فكل ما يصدر عن الإنسان من سلوك له دلالة ومعنى حتى وان غاب عن الفهم او التفسير
أما سلوك الغيبة والنميمة فهو يعني نقل الأحاديث التي يكره الناس نشرها وافشاؤها ونقلها من شخص إلى آخر ، نكاية بالقائل ، ووقيعة به. ويعرف الناس جميعا أن هذا السلوك إنما يصدر عن شخصية ليست سوية وليست مريضة بنفس الوقت، ولكن بها انحراف في الشخصية ، والانحراف يُعد أصعب من المرض النفسي، وأقسى من المرض العقلي ، فالمريض النفسي يعاني من آلامه ويشعر بها ويطلب العون والمساعدة من المختصين في علاج النفس ، إنه يدرك ما يقوم به من أفعال وتصرفات، ولكنه يفشل في كبحها أو إيقافها فيلجأ إلى طلب المساعدة.
ومن الأمراض النفسية : الوساوس ، الهستيريا ، الاكتئاب النفسي ، الفوبيا ، المخاوف المرضية، توهم المرض .. الخ ، بينما مريض العقل ، يرفض أنه مريض، ولكن يصنع لنفسه عالم خاص به، فينزوي بعيدا عن الناس ، يخلق له عالمه ، لا يريد الواقع، لانه مؤلم ومر، فيهرب إلى واقع آخر يصنعه ويعيش فيه ، فمعاناته تدور في داخله ، وتأثيرها يدور في فلك أسرته ، وهو الذي يرفض أنه مريض، ولكنه في الأخير يذعن للعلاج ويُرغم عليه حتى يتحسن . أما صاحبنا صاحب الشخصية النّمامة أو الغيبة ، فهو من أشد وأصعب الشخصيات، لأنه يدخل ضمن مجموعة الانحرافات في الشخصية ، فلا علاج له ولا رجاء منه ، لأنه يقوم بالفعل ويدري أنه خطأ ويصر عليه ويرفض من يدينه بفعله هذا ، مثله مثل صاحب السلوك العدواني ” نمط الشخصية السيكوباثية - الشخصية المضادة للمجتمع” ، وهذه الشخصيات ممن تمارس سلوك النميمة والغيبة فإنما تتخذ هذا السلوك لكي تعيد التوازن لنفسها فتظهر أناء سلوكها عن الحبيس من الميول المحظورة التي لم تفلح في ضبطها والتحكم فيها
ولو تساءلنا كيف نميز اضطراب الشخصية عن الاضطرابات النفسية ؟
أول ما يميز اضطراب الشخصية هو عدم التوافق بين الشخص وبيئته ، بعكس مريض النفس، حيث يكون الاضطراب في مكونات الشخص الداخلية، وعدم توافقها مع الذات ، فهو يشكو من اضطرابه ، ويدركه تماما ، أما مضطرب الشخصية فالذي يشكو منه هم من يحيطون به ، أي المجتمع ، ويبقى على اتصال بالواقع الذي يعيش فيه ، وإن كان هذا الاتصال مضطربا يؤدي الى شكوى البيئة المحيطة به ، ويعوق تكيفه نتيجة لرفض الآخرين له
يقول عالم التحليل النفسي “مصطفى زيور” ان العدوان طاقة انفعالية لابد لها من منصرف ، ولا مناص من أن تتخذ لها هدفاً تفرغ فيه شحنتها الزائدة ، وفي الظروف الاجتماعية العادية يجد العدوان منصرفا في أنواع النميمة وتجريح الغير أو في النكتة اللاذعة
إذن النميمة هو سلوك عدواني غير مباشر موجه نحو الاخرين بطريقة تتخذ الشدة والقساوة على النفس اولا ولكنه تنقل هذا العدوان او استبدل هدف بهدف وهو الاخرين ثانيا ، ويرى (د. احمد عكاشة) ان مجموعة اضطرابات الشخصية تتضمن اضطرابات سلوكية محددة تتميز بأفعال متكررة لا يوجد ورائها دافع منطقي واضح ولا يمكن التحكم فيها وبشكل عام تؤذي مصالح الشخص ومصالح الاخرين ، وترى الدراسات النفسية المتخصصة ان الشخص الذي يقوم بهذا الفعل وهذا السلوك تصاحبه اندفاعات بالفعل لا يستطيع التحكم فيها
ان الفرد الذي يمارس سلوك النميمية والغيبة يعبر عن قلق ويأس وشعور بالذنب ولكن ذلك لا يحول دون تكرار الفعل مرة اخرى . ويمكننا القول ان نشوء هذا السلوك ناجم عن عدة اسباب في طفولة الشخص وهي الطفولة التي تفتقر الى المحبة بل تربى الشخص في صغره على الطاعة المطلقة ، او في اسرة دينية متزمته لم تعطي له الفرصة في التعبير عن ما بداخله كطفل ، واستمر هكذا حتى تجسدت بصورة اوضح افعال تمثل النميمة والغيبة كنوع من التفريغ لتلك الشحنات الانفعالية المكبوتة التي وجدت طريقها بوساطة تناول الناس بالتجريح دون اي سبب او عداء بينه وبين من يتناوله بالغيبة او النميمة ، وترى الدراسات النفسية ان صاحب هذه الشخصية لا يتعلم كثيرا من التجربة ، كما انه لا يكاد يتأثر بالتوبيخ او ردود الافعال الجارحة من الشخص الذي تناوله او من الاخرين المحيطين به او الجزاء الذي لحق به ، وقلما يشعر بالندم او الذنب ، واذا شعر بالخجل فهو شعور مؤقت وسطحي


_______________________


الدكتور أسعد الامارة

أستاذ جامعي وباحث سيكولوجي

وما هم بخارجين من النار


القرآن نفى إمكانية خروج من يدخل النار في الكثير والعديد من آياته، قال سبحانه: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) المائدة ‏. ويقول أهل النار: (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون، قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) المؤمنون . ‏ويقول: (كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)‏ البقرة ، ‏ويقول الله لمحمد عليه الصلاة والسلام: (أفمن حق عليه كلمه العذاب أفأنت تنقذ من في النار) الزمر ‏، والكلام لرسول الله مباشره في استفهام استنكاري‏. والله ينكر على رسوله أن يقول مثل هذا الكلام، وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماما مع مرويات الأحاديث النبوية في كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار، مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعه ولا أساس لها من الصحة‏. إن درجات النار وأقسامها قد تحددت سلفا في القرآن، ومواقع المجرمين قد عُلمت مسبقا، قال تعالى: (وإنّ جهنم لموعدهم أجمعين‏ ،‏ لها سبعه أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم‏) الحجر‏ . ‏فكل مجرم قد تحددت مكانته من قبل في النار ، واختصت به، واختص بها ‏..‏ وهذا يؤكد أن كل ما ذكر عن إخراج الرسول عليه الصلاة والسلام بشفاعته للبعض من النار وإدخالهم الجنة يناقض صريح القران ، ولا يمكن أن يكون له أساس من الصحة‏.‏ وشفاعة الملائكة للبعض في القرآن لا تأتي أبداً سابقه للحكم الإلهي بالعفو، بل تأتي بعده كما قال سبحانه ‏(‏لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى). ‏ فالحكم الإلهي بالعفو يأتي أولا‏,‏ وتكون شفاعة الملائكة أشبه بالبشارة ‏..‏ حينما تعلم الملائكة أن الله قد ارتضى تبرئة فلان فإنها تبشره‏,‏ فالمقام الإلهي مقام جليل مرهوب ‏..‏ وفي الحضرة الإلهية، لا يملك أحد أن يسبق الله بكلمه أو رأي (لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون‏) الأنبياء‏. ‏وفي سوره النبأ الآية ‏38‏ يقول القران عن الملائكة (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) ، (وكم من ملك في السموات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى). ومعنى ذلك أن شفاعة الملائكة لا تأتي إلا بعد الإذن وبعد العلم بان الله قد عفا عن فلان ‏..‏ فهي بشارة وليست شفاعة، وهي اقرب إلى التهنئة بالنجاة . والقانون العام في ذلك اليوم‏ ..‏ يوم الدين‏ ..‏ يوم تُدان الأنفس بما عملت ‏..‏ أنه لا شفاعة تجدي، ولا شفاعة تقبل ‏..‏ لأنه لا أحد يملك هذه الشفاعة ‏.. ‏فلله الشفاعة جميعا‏..‏ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار‏ ..‏ لا أحد غيره‏ ..‏ ولا كلمة إلى جوار كلمته، (يوم لا تملك نفسٍ لنفسٍ شيئا، والأمر يومئذ لله لا تملك أي نفس لأي نفس ‏..‏ مهما علا مقام هذه النفس التي تشفع، ومهما بلغت درجتها ‏..‏ لا تملك من أمر الله شيئا ، ويلخص القرآن قانون هذا اليوم الرهيب في كلمات قليله ، (قل لله الشفاعة جميعا)، فجمعية الأمر والنهي في يده وحده‏ ..‏ هو وحده الملجأ والملاذ وجمعية الشفاعة بأسرها في يده ، فهو وحده صاحب العلم المحيط وهو وحده أرحم الراحمين، ولا يستطيع مخلوق أن يدّعي أنه أكثر رحمه بعباد الله من الله، أو أعلم بهم منه ‏..‏ فهو وحده عالم الغيب والشهادة ‏..‏ وهو وحده الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيط أيّ منهم بعلمه إلا بما يشاء ‏..‏ وهو وحده الوليّ، وهو يحييّ الموتى ، وهو على كل شيء قدير، (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) . والجزاء في هذا اليوم على قدر العمل، والعفو والصفح حقُ لله تعالى وحده، فلله الشفاعة جميعا، لا يشاركه في هذا الحق مخلوق، وإذا كان الهدف من شفاعة الشفعاء هو إضافه معلومة عن عذر المذنب وظروفه فالله تعالى أعلم من أي مخلوق‏ ..‏ يقول القران (إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنه في بطون أمهاتكم‏..)‏‏ - ‏فمن منكم عنده مثل هذا العلم الإحاطي‏- ‏ لينافس رب العالمين في هذا المقام ‏..‏ لا أحد قطعا ‏..‏ والله وحده هو الجدير به ‏..‏ ولهذا تخلص الشفاعة له وحده في جمعية تنفي تدخل أحد‏ ..‏ ولا يملك الكل إلا أن ينتظر ما تنطق به المشيئة، وتبقى بعض حالات مفوض أمر أصحابها في الآخرة إلى الله عز وجل وحده مثل ما جاء في هذه الآيات : (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم)، (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم)، ومنهم المستضعفون في الأرض يُقال لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيله ولا يهتدون سبيلا ، فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله عفوا غفورا) . فهو وحده الذي يتكرم بهذا العفو ‏..‏ ويبقى السؤال عن المقام المحمود ما هو؟ ومن يكون الموعود به في القران ‏..‏ ومن كان المخاطب بهذه الآيات من سوره الإسراء (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلا، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا‏ ..‏ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا‏ ..‏ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). والمخاطب هو محمد عليه الصلاة والسلام وحده لا سواه بلا شك ، والمقام هو مقام البشارة العظمى، - والله أعلم - وليس مقام الشفاعة العظمى كما يذكر المفسرون وذلك لأن جمعية الشفاعة كلها لله وحده كما ذكر القران وكرّر في محكم آياته وأنه لا أحد أعلم بخلقه منه، ولا أرحم منه‏ ..‏ فهو أرحم الراحمين، وليس لله منافس في هذا، ولا يجوز أن يكون له منافس في هذا المقام‏ ..‏ والأقرب أن يكون هذا المقام المحمدي هو مقام البشير الأعظم‏ ..‏ ويؤكد ذلك القران مكررا في آياته أانه هو الذي أرسل رسوله للعالمين نذيرا وبشيرا ‏..‏ وبحكم القرب من الله سيكون أول من يعلم بالعفو عن السعداء من أمته، وسيكون أول من يبشرهم بالجنة والرضوان ‏..‏ -أقول ذلك اجتهادا والله اعلم - فالموضوع غيب‏ ..‏ ويوم الدين بأهواله ‏..‏ وبما سيجري فيه هو غيب الغيب ، ولا يملك قارئ القرآن إلا أن يحاول الفهم دون المساس بالثوابت القرآنية ‏..‏ وخصوصية المقام المحمدي من الثوابت التي لا شك فيها ‏..‏ والقران هو الكتاب الوحيد الذي تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أي تحريف، فقال في كتابه المحكم‏ .. ‏( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏) ..‏ المحفوظ من رب العالمين، وهو الكتاب الوحيد الموثق بين كل ما تبقى من كتب مقدسة بين أيدينا ، وهو المهيمن عليها جميعها بلا استثناء. الم يقل ربنا تبارك وتعالى لمحمد عليه الصلاة والسلام في سورة آل عمران الآية ‏128‏ (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون)فكيف نقلب الأمر ونجعل من النبي صاحب الأمر يوم القيامة والمنفرد بالشفاعة من دون الله ‏..‏ وهو الذي قال له معاتبا‏ ..‏ ليس لك من الأمر شيء ‏..‏وحينما جاء البلاغ للنبي في سورة الشعراء : (وأنذر عشيرتك الأقربين‏) الشعراء ، ألم يبادر النبي فينادي على أهل بيت خديجة إني لن أغني عنك من الله شيئا، يا عائشة إني لن أغني عنك من الله، يا فلان يا فلان ‏..‏ ولم يدع أحداً من أهل بيته إلا أبلغه ، وهذا كلام السيرة ، وكلام كتاب السيرة أنفسهم أن النبي قد أخلى مسئوليته وتبرأ من الوساطة لأحد حتى لأعز الناس ‏..‏ حتى لابنته الغالية ومهجة قلبه فاطمة‏.‏ فكيف انقلبوا بعد ذلك على أنفسهم وكيف نُكسوا على رؤوسهم وجعلوا من النبي وسيطا يتشفع عند الله ليخرج من النار بعض من دخلها من أمته ‏..‏ فيخرجهم ربنا من النار وقد امتحشوا من أثر جهنم -أي تفحموا- وكيف يقبل هذا الكلام ويوضع في كفة واحدة مع كلام الله المحكم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف نقلب موازين العدالة في ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان ونحوّلها إلى وساطات وشفاعات وتزكيات ونجعل من أنفسنا صفوة الأمم .. وخيرها على الإطلاق

Nov 24, 2007

لماذا تمرض نفوسنا ؟



المؤمن لا يعرف شيئا اسمه المرض النفسي، لأنه يعيش في حالة قبول و انسجام مع كل ما يحدث له من خير و شر . . فهو كراكب الطائرة الذي يشعر بثقة كاملة في قائدها و أنه لا يمكن أن يخطئ، لأن علمه بلا حدود، و مهاراته بلا حدود .. فهو سوف يقود الطائرة بكفاءة في جميع الظروف، و سوف يجتاز بها العواصف و الحر و البرد و الجليد و الضباب .. و هو من فرط ثقته ينام و ينعس في كرسيه في اطمئنان و هو لا يرتجف و لا يهتز إذا سقطت الطائرة في مطب هوائي، أو ترنحت في منعطف، أو مالت نحو جبل .. فهذه أمور كلها لها حكمة و قد حدثت بإرادة القائد و علمه و غايتها المزيد من الأمان. فكل شيء يجري بتدبير، و كل حدث يحدث بتقدير ، و ليس في الإمكان أبدع مما كان .. و هو لهذا يُسلّم نفسه تماما لقائده بلا مساءلة و بلا مجادلة، و يعطيه كل ثقته بلا تردد، و يتمدد في كرسيه قرير العين ساكن النفس في حالة كاملة من تمام التوكل. و هذا هو نفس إحساس المؤمن بربه، الذي يقود سفينة المقادير، و يدير مجريات الحوادث، و يقود الفلك الأعظم، و يسوق المجرات في مداراتها، و الشموس في مطالعها و مغاربها .. فكل ما يجري عليه من أمور مما لا طاقة له بها، هي في النهاية خير. إذا مرض و لم يفلح الطب في علاجه .. قال في نفسه .. هو خير .. و إذا احترقت زراعته من الجفاف و لم تنجح وسائله في تجنب الكارثة .. فهي خير.. و سوف يعوضه الله خيرا منها .. و إذا فشل في حبه .. قال في نفسه حب فاشل خير من زيجة فاشلة .. فإذا فشل زواجه .. قال في نفسه الحمد لله أخذتْ الشر و راحت .. و الوحدة خير لصاحبها من جليس السوء .. و إذا أفلست تجارته قال الحمد لله لعل الله قد علم أن الغنى سوف يفسدني ، و أن مكاسب الدنيا ستكون خسارة علي في الآخر .. و إذا مات له عزيز .. قال الحمد لله .. فالله أولى بنا من أنفسنا ، و هو الوحيد الذي يعلم متى تكون الزيادة في أعمارنا خيراً لنا، و متى تكون شراً علينا .. سبحانه لا يُسأل عما فعل.و شعاره دائما: (وعسى أن تكرهوا شيئا و هو خيرٌ لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شرٌ لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون). وهو دائماً مطمئن القلب، ساكن النفس، يرى بنور بصيرته أن الدنيا دار امتحان و بلاء، و أنها ممر لا مقر، و أنها ضيافة مؤقتة شرها زائل و خيرها زائل .. و أن الصابر فيها هو الكاسب و الشاكر هو الغالب. لا مدخل لوسواس على قلبه، و لا لهاجس على نفسه، لأن نفسه دائما مشغولة بذكر العظيم الرحيم الجليل و قلبه يهمس : الله .. الله .. مع كل نبضة، فلا يجد الشيطان محلاً و لا موطئ قدم و لا ركنا مظلماً في ذلك القلب يتسلل منه.و هو قلبٌ لا تحركه النوازل، و لا تزلزله الزلازل، لأنه في مقعد الصدق الذي لا تناله الأغيار.و كل الأمراض النفسية التي يتكلم عنها أطباء النفوس لها عنده أسماء أخرى:الكبت اسمه تعفف، و الحرمان رياضة، و الإحساس بالذنب تقوى، و الخوف (و هو خوف من الله وحده) عاصم من الزلل، و المعاناة طريق الحكمة، و الحزن معرفة،و الشهوات درجات سلم يصعد عليها بقمعها و يعلو عليها بكبحها إلى منازل الصفاء النفسي و القوة الروحية، و الأرق .. مدد من الله لمزيد من الذكر .. و الليلة التي لا ينام فيها نعمة تستدعي الشكر و ليست شكوى يبحث لها عن دواء منوم فقد صحا فيها إلى الفجر و قام للصلاة، و الندم مناسبة حميدة للرجوع إلى الحق و العودة إلى الله،و الآلام بأنواعها الجسدي منها و النفسي هي المعونة الإلهية التي يستعين بها على غواية الدنيا فيستوحش منها و يزهد فيها، و اليأس و الحقد و الحسد أمراض نفسية لا يعرفها و لا تخطر له على بال، و الغل و الثأر و الانتقام مشاعر تخطاها بالعفو و الصفح و المغفرة، و هو لا يغضب إلا لمظلوم ، و لا يعرف العنف إلا كبحاً لظالم.و المشاعر النفسية السائدة عنده هي المودة و الرحمة و الصبر و الشكر و الحلم و الرأفة و الوداعة و السماحة و القبول و الرضاتلك هي دولة المؤمن التي لا تعرف الأمراض النفسية و لا الطب النفسي ..و الأصنام المعبودة مثل المال و الجنس و الجاه و السلطان، تحطمتْ، و لم تعد قادرة على تفتيت المشاعر و تبديد الانتباه .. فاجتمعت النفس على ذاتها و توحدت همتها، و انقشع ضباب الرغبات، و صفت الرؤية، و هدأت الدوامة، و ساد الاطمئنان، و أصبح الإنسان أملك لنفسه و أقدر على قيادها، و تحول من عبدٍ لنفسه إلى حر بفضل الشعور بلا إله إلا الله .. و بأنه لا حاكم و لا مهيمن و لا مالك للملك إلا واحد، فتحرر من الخوف من كل حاكم و من أي كبي،ر بل إن الموت أصبح في نظره تحرراً و انطلاقاً و لقاء سعيد بالحبيب.اختلفت النفس و أصبحت غير قابلة للمرض .. و ارتفعت إلى هذه المنزلة بالإيمان و الطاعة و العبادة، فأصبح اختيارها هو ما يختاره الله، و هواها ما يحبه الله .. و ذابت الأنانية و الشخصانية في تلك النفس، فأصبحت أداة عاملة و يداً منفذة لإرادة ربها. و هذه النفس المؤمنة لا تعرف داء الاكتئاب، فهي على العكس، نفس متفائلة، تؤمن بأنه لا وجود للكرب مادام هناك رب .. و أن العدل في متناولنا مادام هناك عادل .. و أن باب الرجاء مفتوح على مصراعيه مادام المرتجى و القادر حياً لا يموت.و حزن هذه النفس حزن مضيء حافل بالرجاء، و هي في ذروة الألم و المأساة لا تكف عن حسن الظن بالله .. و لا يفارقها شعورها بالأمن ، لأنها تشعر بأن الله معها دائما، و أكثر ما يحزنها نقصها و عيبها و خطيئتها .. لا نقص الآخرين و عيوبهم .. و لكن نقصها لا يقعدها عن جهاد عيوبها .. فهيّ في جهاد مستمر، و في تسلق مستمر لشجرة خطاياها، لتخرج من مخروط الظل إلى النور المنتشر أعلى الشجرة لتأخذ منه الحياة لا من الطين الكثيف أسفل السلم.إنها في صراع وجودي و في حرب تطهير باطنية .. و لكنه صراع هادئ واثق لا يبدد اطمئنانها و لا يقتلع سكينتها لأنها تشعر بأنها تقاتل باطلها بقوة الله و ليس بقوتها وحدها.. و الإحساس بالمعية مع الله لا يفارقها، فهي في أمن دائم رغم هذا القتال المستمر لأشباح الهزيمة و لقوى العدمية بداخلها.. فهي ليست وحدها في حربها.ذلك هو الجهاد الأكبر الذي يشغل النفس عن التفاهات و الشكايات و الآلام الصغيرة و يحفظها من الانكفاء على ذاتها و الرثاء لنفسها و الاحتفاء بمواهبها.. فهيّ مشغولة عن نفسها بتجاوز نفسها و تخطي نفسها و العلو على ذاتها .. فهي في رحلة خروج مستمرة .. رحلة تخطي و صعود، و دستورها هو: (أن تقاوم أبدا ما تحب و تتحمل دائما ما تكره(و مشاعر هذه النفس منسابة مع الكون، متآلفة مع قوانينه، متوافقة مع سننه، متكيفة بسهولة مع المتغيرات حولها .. فيها سلاسة طبيعية و بساطة تلقائية .. تلتمس الصداقة مع كل شيء .. و مثالها الكامل هو النبي محمد صلى الله عليه و سلم حينما كان يحتضن جبل أحد و يقول : هذا جبل يحبنا و نحبه .. فالمحبة الشاملة هي أصل جميع مشاعرها .. إنها في صلح دائم مع الطبيعة و مع القدر و مع الله .. و الوحدة بالنسبة لهذه النفس ليست وحشة بل أنس .. و ليست خواء بل امتلاء .. و ليست فراغا بل انشغال .. و ليست صمتا .. بل حوار داخلي و استشراف نوراني .. و هي ليست وحدة، بل حضن آمن .. و عذابها الوحيد هو خطيئتها، و إحساسها بالبعد و الانفصال عن خالقها.. و هو عذاب يخفف منه الإيمان بأن الله عفو كريم تواب يحب عباده الأوابين المستغفرين .. و هيّ أقرب ما تكون إلى ربها و هي ساجدة ذائبة حبا و خشوعا .. يقول بعض الأولياء الصالحين : نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف، و لكن أنّى للملوك أن يعرفوها و هم غرقى الدنيا و سجناء ماديتها.إن السبيل إلى ميلاد تلك النفس و خروجها من شرنقتها الطينية هو الدين و الطاعة و المجاهدة، و لا يوجد سبيل آخر لميلادها .. فالعلم لا يلد إلا غرورا، و الفن لا يلد إلا تألُهاً .. و الدين وحده هو المحضن الذي تتكامل فيه النفس و تبلغ غايتها.و النفس المؤمنة نفس عاملة ناشطة في خدمة الآخرين و نجدتهم، لا يقطعها تأملها عن الشارع و السوق و زحام الأرزاق .. و العمل عندها عبادة .. و العرق و الكدح علاج و دواء و شفاء من الترف و أمراض الكسل و التبطل .. حياتها رحلة أشواق و مشوار علم و رسالة خدمة .. و العمل بابها إلى الصحة النفسية .. و منتهى أملها أن تظل قادرة على العمل حتى النفس الأخير و أن تموت و هي تغرس شجرة أو تبني جداراً أو توقد شمعة .. تلك النفس هي قارب نجاة، و هي في حفظ من أي مرض نفسي، و لا حاجة بها إلى طب هذه الأيام، فحياتها في ذاتها روشتة سعادة ..

بتصرف - المصدر: كتاب (عالم الأسرار) للدكتور مصطفى محمود

أنا ونفسي والشيطان



تساؤلات كثيرة تحاورنا بها النفس دون استئذان، وكأنك في اختبارٍ معها - اختبار صعب ليس كتلك التي تعودنا عليها - اسمح لي أيها القارئ الكريم أن أعرض عليك مقالاً آخر للدكتور مصطفى محمود، الذي يتحدث فيه عن مجريات الحوار بين النفس والشيطان
قالت لي نفسي‏: ‏نارك وجنتك بين جنبيك‏..‏ نارك وجنتك فيما تختار‏,‏ وما تعجل إليه من أقوال وأفعال‏,‏ وما تبادر إليه من عمل، وما تمتد إليه يدك من حلال وحرام‏.‏ يدك هي التي تحفر بها قبرك وتصنع بها مصيرك‏,‏ ولسانك هو الذي يهوي بك إلى الهاوية، أو يصعد بك إلى أعلى عليين..‏ أنت ما تقول وأنت ما تفعل‏. انظر ماذا تفعل.. تعلم مسكنك، وتشهد قيامتك، وتعلم ساعتك.‏ قال لي شيطاني مستنكرا‏: ‏وأين أنت الآن من قيامتك؟ وأين أنت من ساعتك؟ هذا الوسواس الشؤم الذي تصحو وتبيت فيه ‏..‏ أنظر حولك يا فتى‏..‏ أنت مازلت في الدنيا اقطف زهرتها‏,‏ وانعم بلذاتها‏,‏ وأمامك فرص التوبة ممتدة بطول عمرك ‏..‏ وأنت ما عشت فأنت في رعاية التواب الغفار غافر الذنب وقابل التوب‏ ..‏ لا تعقد أمورك، واضحك للأيام تضحك لك‏ ..‏ قلت وأنا أتحسب كل كلمه : تضحك لي أو تضحك عليّ يا لعين؟ ‏..‏ ومن أدراني أن ما أقول الآن هو آخر أقوالي؟ وما أفعل الآن هو ختام أفعالي؟‏‏ وأني ميت اليوم، ومن مات فقد قامت قيامته، وبدأت ساعته،‏ ‏قال شيطاني‏ : أعوذ بالله من غضب الله ما هذا الكابوس الذي تعيش فيه حياه كالموت، وموتا كالحياة، لم يبق إلا أن تصنع لنفسك تابوتا وتنسج لك كفنا تتمدد فيه، ‏أين أنت من هذا اليوم يا رجل ؟‏!‏ قلت‏:‏ ومن يدريني أن بعد اليوم بعد.. قال شيطاني ‏:‏ هل أقمت من نفسك قابضا للأرواح وفالقا للإصباح؟ أم أنك المتنبي الذي لا تخيب له نبوه..‏ إلزم غررك يا رجل! ما أنت إلا عبد من عباد الله ‏..‏ عش يومك كأنك تعيش أبداً‏.‏ قلت‏ :‏ ما قالوها هكذا يا لئيم ‏..‏ بل قالوا‏ ..‏ اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا‏,‏ واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً..‏ أرأيت كيف تقلب كل الحقائق‏.‏ قال شيطاني‏:‏ إنما أردت لك الحياة‏,‏ وأردت أنت لنفسك الموت‏ ..‏ ومرادي كان دائما مصلحتك‏. ‏قلت ‏:‏ بل موت النفوس كان مرادك‏,‏ وهلاكها في الجحيم كان شغلك الشاغل‏,‏ وهمك المقيم يا سمسار الجحيم‏. ‏هل كنت اكلم أحدا ؟؟‏..‏ أم كان يكلمني أحد؟ هل كان حوارا
بحق‏..‏ أم كان خيالا ..‏ أتخيله ؟
إن حديث النفس حقيقة لاشك فيها‏ ..‏ وهو نوع من الإعجاز الرباني ‏..‏ فهو حديث داخلي لا يسمعه غيرك‏,‏ ولا يطلع عليه سواك‏ ..‏ ولا يستطيع أي جهاز الكتروني بشري أن يسجله عليك ‏..‏ والنفس فيه طرف ‏..‏ والطرف الآخر يمكن أن يكون النفس ذاتها ‏..‏ ويمكن أن يكون الشيطان ‏..‏ وإبراهيم الكليم أبو الأنبياء كلمه ربه‏ ..‏ وهكذا ترتفع المكالمة لكل نفس على حسب قدرها ومستواها‏.‏ يقول ربنا محادثا موسى في سوره الأعراف - الآية ‏144‏: (يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين). ‏‏وحينما تكون وساوس النفس من المستوى الشيطاني‏ ..‏ يمكن أن يكون الشيطان طرفا في الحديث ‏..‏ وحينما ترتفع النفس إلى المستوى الملائكي ‏..‏ يمكن أن يكون القرين المتحدث ملائكيا‏..‏ وكلما ارتفع مستوى الحديث ارتفع مستوي المتحادثين‏. ‏وللغيب علومه، كما أن للفيزياء علومها، وللذرة علومها، وللنفس علومها‏.‏ والشيطان حقيقة وليس شخصيه روائيه خياليه من بنات خيال المؤلفين‏.‏ وفي آخر الزمان حينما تقوم القيامة سوف يعترف الشيطان بما فعل بضحاياه أمام الملأ وأمام الحشر المجتمع من كل الخلائق‏. قال تعالى في سورة إبراهيم - الآية 22 : ‏(وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) . ‏وهكذا ينزل ستار الختام على الدراما الكبرى للوجود التي استغرقت أجيالا وقرونا من آدم أول الخلق، إلى الخاتم محمد بن عبد الله آخر الرسل عليه الصلاة والسلام‏ ..‏ في كلمات هائلة تتصدع لها القلوب ومشهد جامع يشيب لهوله الولدان‏. ‏وسوف نرى الشيطان ساعتها‏,‏ وهو يتكلم في قلب الجحيم وسوف نسمع آخر كلماته إن الظالمين لهم عذاب اليم. إن الشيطان حقيقة وليس أسطوره، والنار حق ، والعذاب حق ، والحرب مستمرة‏ ..‏ وسوف تتعدد فصولا إلى آخر الزمان ‏..‏ حينما ينزل ستار الختام ‏..‏ وتعلن الحقائق في مشهد جامع هو يوم القيامة. ليرحمنا الله جميعا‏ .. ‏فهذا مشهدُ يشق على الجبابرة ، فما بال الضعفاء أمثالنا؟ وسيظل ما بعد الموت طلاسم وظنونا وغيوبا مغيبه ولن يـكشف السر إلا بعد أن يغلق الباب الدائري خلف كل مرتحل ويستحيل التواصل بينه وبين أحد من الأحياء ‏..‏ وفي ظلام الوحدة المطلقة سوف تتجلي له الحقيقة وسوف يري كل شيء ‏..‏ وساعتها لن ينفع الندم‏ ..‏ فكتاب الأعمال أغلق‏..‏ وحياته انتهت ‏..‏ وما بقي سوف تتقطع له نياط القلوب‏.‏ والويل لمن لا يفهم أن الله موجود، ليس لأن المسلمين يؤمنون بوجوده‏,‏ ولكن لأنه حقيقة مطلقه أزليه لا معنى لأي شيء بدونها‏. ‏الله هو سر الجمال‏,‏ والرحمة‏,‏ والمودة‏,‏ والحرية‏,‏ والحياة‏. ‏وأسماؤه الحسنى مطبوعة على الوردة‏,‏ وعلى إشراقه الفجر‏,‏ وعلى ابتسامه الوليد‏,‏ وعلى إطلاله الربيع‏,‏ وعلى كفتي الميزان‏,‏ وعلى صولجان الحكم ‏..‏ فهو العدل الحكم ‏..‏ وبدونه يستحيل العدل وتستحيل الرحمة وينطمس الكون ويظلم‏,‏ فهو نور السماوات والأرض‏.‏ وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده‏. ‏إن الدين يبدأ به‏ ..‏ والفلسفة تنتهي إليه ‏..‏ والعقل يتوقف عنده‏ ..‏ فلا كيف ولا كم ولا أين ولا متى‏..!!!‏ وإنما‏ ..‏


هو‏ ..‏ الله


ولا اله إلا هو


ولا يملك العقل إلا السجود ‏..‏


ولا تملك العين إلا البكاء ندماً


رفـعت الأقلام وجفت الصحفْ


اسألوا الله لنا ولأنفسكم الرحمة ‏..‏ والتمسوا لنا ولأنفسكم النجاة


فلم يبق إلا التوسل ‏..‏

Nov 21, 2007

حرية رسم الأزهار


الفن لا يعرف الزمن .. ولا يفهم الوقت، إنه شيء يتحرك من الداخل .. ينبض .. يعيش .. ثم ما يلبث أن يخرج إلى الهواء الطلق مولوداً بديعاً وديعاً يعشق الحياة، ويعشقه الآخرون .. لما يختزنه بين جزيئاته .. من حياة !! ونقف أمام العمل الفني .. نحدق .. نحملق .. ثم نبدي إعجابنا أو نفورنا، فقد يحلق أحدنا انبهارا بلوحة ٍ ما، في حين يتجمد آخر بلا حراك .. بينما يبتعد ثالث مشيحاً بوجهه عما يرى، لأنه لم يتأثر، وبالتالي لم يعجب .. أو لأنه قد تأثر كل التأثر، ولم يطق صبراً، خاصة إذا كان العمل الفني موجعاً ببعض القسوة .. وكثير من العنف !! اختلاف ردود الفعل هنا، لا تعنيه أبداً أن هذا جميل، وهذا قبيح، وإنما تعني أن لكلٍ منا تعبيراً خاصاً يدل على أن أذواقنا مختلفة، وأن لكلٍ منا انطباعاً
خاصاً يمضي معه، ويعيش داخله، وينطبع معه بلا شعور، أو وعي على العمل الفني فينعكس رغبة .. أو نفوراً

ونتوجه إلى معارض الفانين، تلك التي تحفل بأعمالهم الفنية الرائعة، النابعة من إحساس مخزون في أعماق الذات، أو من تأثير شعوري بالبيئة المحيطة بالفنان ! . لذا .. أجدني رغماً عني أميل إلى تشبيه الفنان بالنحل، ذلك النحل الذي يطوف باحثاً عن الأزهار الحاوية للرحيق، فإذا به يقطع مسافة تزيد عن ثلاثين مليون كيلو متر، يقوم خلالها بأربعين ألف رحلة ذهاباً وإياباً، لينتج قرصاً واحداً .. من العسل !. والفنان يحتاج كي يرسم لوحة إلى إحساس معين، يحتاج إلى نبض خاص يفيض في أعماقه، كي تتفتح حواسه، وتلتهب مشاعره، وتضطرم روحه، ويتأجج وجدانه، وينتج هذا العمل الذي يرضى عنه .. ويقنع به. فكثيراً ما تأتي الأعمال الفنية خلاصة معاناة ذاتية، وتوهج داخلي، وكما يأتي العسل رديئاً إذا امتص النحل الرحيق من أزهار حديقة مسوّرة مغلقة.. يأتي العمل الفني حزيناً غريباً إذا انبثق من وراء جدران عالية . وهنا أذكر الرسام الياباني الذي كان معروفاً برسم الزهور الملونة الجميلة، ولما أبدى أحد الهواة دهشته
لأن الرسام لم يطرق مواضيع أخرى .. أجابه باسماً : أريد أن يكون لي وجه جميل حين أصير هرماً

ومع الأزهار .. والأشجار .. والأطيار .. وفي قلب الحدائق الغناء يحلو الوقت، حيث الحرية والانطلاق، وحيث يطيب للفنان البقاء بين أحضان الطبيعة الأم المعطاء. وفي هذا يقول الكاهن الأكبر منذ قديم الزمان .. اتركوا الرسامين في الحقول قبل البدء في وضع الألوان، يجب أن تغترف عيونهم من الطبيعة. فالرسم كئيب إذا وُلد في الأماكن المغلقة

Nov 20, 2007

العذاب ليس له طبقة




نظراً لما لمسته من رقي فكري في فكر الكاتب الدكتور مصطفى محمود، ونظراً لامتلاكه ذائقة فكرية عبقرية في انتقاء مواضيع فكرية فلسفية من فكره التي تحاكي العقل والمنطق والواقع، قررت أن أُخصص كتابتي في هذا المقال عن واحدة من موضوعاته التي تمتلئ إبداعاً وواقعية. وكان عنوان المقال الذي قرأته وعايشته هو " العذاب ليس له طبقة " الذي قال فيه : الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مرً الشكوى، لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب. وساكن المدينة الذي يجد الماء والنور والسخان والتكييف والتليفون والتليفزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مرً الشكوى هو الآخر من سوء الهضم والسكر والضغط. والمليونير ساكن باريس، الذي يجد كل ما يحلم به ، يشكو الكآبة والخوف من الأماكن المغلقة والوسواس والأرق والقلق . والذي أعطاه الله الصحة والمال والزوجة الجميلة، يشك في زوجته الجميلة، ولا يعرف طعم الراحة . والرجل الناجح المشهور الذي حالفه الحظ في كل شيء وانتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على خضوعه للمخدر، فأدمن الكوكايين وانتهى إلى الدمار. والملك الذي يملك الأقدار والمصائر والرقاب، تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لثرواته . وبطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم العضلات . كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة بالرغم ما يبدو علينا في الظاهر من بعد الفوارق.وبرغم غنى الأغنياء وفقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة والشقاء الدنيوي متقارب . فالله يأخذ بقدر ما يعطى، ويعوض بقدر ما يحرم، وييسر بقدر ما يعسر .. ولو دخل كلٌ منا قلب الآخر لأشفق عليه، ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية .. ولم يشعر بحسد ولا حقد ولا بزهو ولا بغرور. إنما هذه القصور والجواهر والحلي واللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب .. وفى داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات والآهات الملتاعة . والحاسدون والحاقدون والمغترون والفرحون مخدوعون في الظواهر، غافلون عن الحقائق. ولو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق، ولو أدركه القاتل لما قتل، ولو عرفه الكذاب لما كذب.ولو علمناه حق العلم، لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس، ولسعينا في العيش بالضمير، ولتعاشرنا بالفضيلة، فلا غالب في الدنيا، ولا مغلوب في الحقيقة، والحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر، ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب، بالرغم من الفوارق الظاهرة بين الطبقات

فالعذاب ليس له طبقة .. وإنما هو قاسم مشترك بين الكل .. يتجرع منه كل واحد منا كأسا وافية، ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف الناظر لها وتباين الدرجات والهيئات
وليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة وشقاء، وإنما اختلاف مواقف ... فهناك نفس تعلو على شقائها وتتجاوزه وترى فيه الحكمة والعبرة ... وتلك نفوس مستنيرة ترى العدل والجمال في كل شيء وتحب الخالق في كل أفعاله ... وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوّله إلى حقد أسود وحسد أكّال .. وتلك هي النفوس المظلمة المحجوبة الكافرة
بخالقها المتمردة على مقاديره
أما الدنيا فليس فيها نعيم ولا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط .. بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل، والكل في تعب .. إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف .. فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها، وما تفاضلت إلا بمواقفها .وليس بالشقاء والنعيم اختلفت، ولا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت، ولا بما يبدو على الوجوه من ضحك وبكاء تنوعت فذلك هو المسرح الظاهر الخادع، وتلك هي لبسة الديكور والثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكـا والآخر صعلوكــا وحيث يتفاوت أمامنا المتخم والمحروم . أما وراء الكــــواليــــس .. أما على مـــسرح القـــلوب
أما في كواهن الأسرار وعلى مسرح الحق والحقيقة .. فلا يوجد ظالم ولا مظلوم، ولا متخم ولا محروم .. وإنما عدلٌ مطلق واستحقاق نزيه، يجرى على سنن ثابتة لا تتخلف. حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم، وينير بها ضمائر العميان، ويلاطف أهل السكة، ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات، ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم .. ثم يميل بيد القبض والخفض فيطمس على بصائر المترفين، ويوهن قلوب المتخمين، ويؤرق عيون الظالمين، ويرهل أبدان المسرفين
وتلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم .. والنسمات المبشرة التي تأتى من الجنة .. والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود . .يوم تنكشف الأستار وتهتك الحجب وتفترق المصائر إما إلى شقاء حق أو إلى نعيم حق .. يوم لا تنفع المعذرة .. ولا تجدي التذكرة .. وأهل الحكمة في راحة؛ لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله في راحة، لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة، وقبلوا ما يجريه عليهم، ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن تتعب عقولهم، فأراحوا عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين : راحة القلب، وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة ألا وهي راحــــــــة البــــدن
أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة فما زالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة والمرأة والمال الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم، وأحمالا من الخطايا، وظمأ لا يرتوي، وجوعا لا يشبع
فأنظر من أي طائفة من هؤلاء أنت .. وأغلق عليك بابك وابكِ على خطيئتك

Nov 19, 2007

هل هذا معقول ؟


برق وميض في مخيلتي كصورة برق خاطفة، مرّ سريعاً بذاكرتي. فأخذت أتذكر وأنا بين الحقيقة والخيال، وأتسائل قلقاً .. هذا الحوار ليس جديداً عليّ، لقد دار قبل هذه المرة بالتأكيد، ومع هذه المجموعة بالذات ... وخفق قلبي .. هل هذا معقول؟ غريبة! نفس الجلسة، نفس الأشخاص، نفس الحوار .. هل هذا معقول؟! وانتابني وجومٌ عجيب، مزيج من الدهشة والاضطراب .. واحترت، فهذه الحادثة ليست هي الأولى من نوعها، فأحياناً تتكرر نفس هذه المواقف وتتشابه بحذافيرها، فيخيّل إليّ للوهلة الأولى أنها جديدة .. ولكنني سرعان ما اكتشفت أني مررت بها من قبل .. موقف قديم يعيد نفسه .. وأحداث تتجدد!! وبدأت أسأل وأستفسر عن ماهيتها؟ وهل هي تصيب أُناساً آخرين؟! أم أنا فقط؟! .. وعلمت أنها تحدث لكثير من الناس، فقد يدخل أحدهم مكاناً ما فيشعر وكأنه عاش فيه بعض سنوات عمره .. وبعضهم ما أن يرى إمرأة ما حتى يشعر بألفة غريبة نحوها، وكأنه يعرفها كزوجة أو كإنسانة منذ سنوات وسنوات !! بل إن البعض ما أن يتذكر شخصاً معيناً حتى يراه أمامه خلال لحظات، أو يسمع صوته عبر الهاتف في الحال .. وظللت أسأل وأبحث وأتحرى .. فتأكدت أن هذا الذي يحدث (شيء) غير عادي لا أعرفه، (شيء) يختلف عن علم "التليباثي" – علم الاتصال – شيء يحاول العلم أن يستطلعه بواسطة علماء من نوع معين. وعرفت أنهم يحاولون الآن في انجلترا عبر دراسات خاصة في جامعة اكسفورد فقط .. يحاولون بحث هذه الظواهر غير العاديّة .. في نفس الوقت يحاولون إيجاد تسمية علميّة صحيحة لهذه المواقف ذات الأحاسيس الغامضة المبهمة. ولكن مازالت هذه الدراسة مقيدة في نطاق خاص يحد من انتشارها في الوقت الحاضر مما يعطيها حجماً محدداً يتقلص داخل انجلترا وحدها .. ولماذا؟ لأنها ما تزال تحوي الكثير من الغموض .. والشعوذة

Nov 18, 2007

تفاءلوا بالخير .. تجدوه


لفت نظري هؤلاء الذين يعتادون في مطلع كل عامٍ جديد أن يقوموا بالإخبار عما يحدث في العالم من تغيرات وتحولات، فتجدهم يملئون الدنيا كتابات جميع محاورها تدور حول: أحوال العالم الجديد ... برجك بماذا يخبرك هذا العام ؟ شخصيتك في العام الجديد ... النجوم وتأثيرها عليك في سنة كذا ... إلى آخره .. إلى آخره.. وبدأت أسترجع مواقف متكررة وأحداثاً تأتي دائماً مع كل سنة جديدة، فوجدت الناس وبشغف شديد يجمعون هذه المطبوعات الفلكية المثيرة ويجلسون يقرؤونها بوله ونهم. فهم لا يستطيعوا أن يخفوا إعجابهم الشديد بها ولا يمكنهم مداراة هيامهم بمطالعتها. أسأل نفسي وأقول: ربما هي هوايتهم القديمة التي لصقت بهم منذ أن كانوا صغاراً ! وربما هي تسلية حقيقية تمتعهم في أوقات فراغهم ! .. لست أدري !! انتبهت إلى نفسي فزعاً أترقب أحداثاً جساماً تغزو العام الجديد، هلاك .. دمار .. خراب! ما هذا الكلام السخيف ؟! وما هذه التنبؤات المخيفة المرعبة ؟! وما سبب هذا التطيٍّر والتشاؤم الفظيع الذي تبثه بعض الأقلام القاسية في نفوس الناس الطيبين !! ولم أشأ أن أستطرد في متابعة قراءات كئيبة تضيق بها نفسي وأنفسكم، ولا يطيق نذيرها فؤادي ... وأدركت أن هذه الكتابات خطتها أقلام واجفة خلت قلوب أصحابها من الإيمان، ونضبت عقول كتابها من التفكر في قدرة الله تعالى .. خالق الأرض والسماء، فجهلتْ معنى عظمته في الاحتفاظ بالغيب له وحده سبحانه، ولذا ذاق وجدانهم عذاب الأرق والألم والهلع، وفزعت قلوبهم من لذة الإحساس بالطمأنينة والأمن والسلام. قال تعالى في كتابه العزيز ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) صدق الله العظيم. فهؤلاء الناس لو احتضنوا الكتاب العظيم ألا وهو (القرآن الكريم) .. لارتاحت عقولهم، وسعد وجدانهم، وسكنت معه أرواحهم. كتاباً يحسون جواره السكينة والأمان، هذا الكتاب السامي المقدس التي هبطت كلماته نقيّة من السماء .. فهم بتمسكهم به سيعيشون السعادة مع عميق فكرهم، وهدوء نفسهم، وراحة بالهم. فالعقل والوجدان هما عينان ننظر بهما .. عين تقع على القريب، وعين تمتد إلى البعيد .. فلو نظروا بهما لرأوا أيام الله كلها صفاء وبركة وأماناً. في القريب .. ندعو الله، وفي البعيد نرجو الله أن يبعد عنا نذير الشؤم والسوء وأن يجعل أيامنا كلها الخير والسعادة والهناء .. حقاً .. تفاءلوا بالخير تجدوه

Nov 17, 2007

لسنا مغناطيساً .. فارغاً


ربما كان أبهج إحساس يمر في ساعة زمن ثقيل، هو الضحك من القلب. فأن يبقى الإنسان كئيباً صارماً لا يفارق العبوس ملامح وجهه، ولا يغادر الهم جدران نفسه، ولا تعرف البسمة طريقاً إلى شفتيه، لأنه قد أصبح إنساناً مرموقاً
مشهورا . . لهو إنسان جد تعس !! إنسان يحتاج ويشتاق إلى تلك اللحظة الضاحكة بكل حنايا وثنايا قلبه المطحون

والنجاح . . أيُّ نجاح، سيكون حتماً أجمل وأروع لو جاء نجاحاً مرحاً لم يُضحِِِِِ صاحبه بابتسامته، ولم يغدر بضحكته
من أجل أن يصبح شخصاً عظيماً ناجحاً

هذا الإنسان لو عرف أن أسلوب تفكيره، وطريقة كلامه لهما علاقة وطيدة بتحديد طموحه، وصنع نجاحه . . ذاك الذي يحفل بالفرح والسعادة . . والحب، لكان حمد الله كثيراً الذي وهبه هذه النعمة، وتلك المقدرة، على وأد التعاسة . . وخلق السعادة . . والنجاح. فهذا الأسلوب في التفكير، وما يؤدي إليه من طريقة معينة في الكلام، تشي بالبهجة، وتوحي بالتفاؤل . . هذا التفكير ذاته يولد فينا موجات واهتزازات تجذب إلينا كل ما يتفق مع تفكيرنا وكلامنا . . وهكذا . . نبقى دائماً خالقي فكر، وصانعي نجاح

ونحن إذا دأبنا على ممارسة التفكير المضيء الواعد، وحرصنا على الكلام البهيج السعيد، سنحصل بديهياً على السلام
الداخلي، بعد أن عرفنا كيف نبعث ونبُث كل ما من شأنه أن يجلب لنا السعادة . . ببساطة متناهية، وبكل وضوح أقول لوعرفنا كيف نجعل تفكيرنا يدور حول محور الفرح والسعادة، سنعيش دائماً في محيط الفرح والسعادة. فهل نحرص على أن نبقي مشاعرنا الداخلية من تلك الأفكار الكئيبة المحزنة التي يغمرنا بها العالم من حولنا ؟! هل نحاول بجدية أن ننجي أنفسنا من الغرق في تلك الفيضانات الدافقة الهادرة؟! وهل نحاول حقاً خلق الفكرة الطامحة الهادفة، خاصة لو عرفنا (قدرتها) على الجاذبية؟! لكن . . هل نعرف جميعاً ما هو قانون الجاذبية ؟

قانون الجاذبية كما جاء في المجلد الثاني من (دائرة المعارف السيكولوجية) هو : "قانون الحب" ليس إلاّ، وليس لهذا القانون أية علاقة بالرغبة التي تدفع فتى جميلاً نحو فتاة جميلة وبالعكس، ويمكن تعريفه كما يلي : " إن الإهتزازات الذاتية المتماثلة تتجاذب وتتحد وتقوى بالتبادل". وكي لا نكون مغناطيساً فارغاً خاوياً فقد قدرته على الجذب والتأثير، أهدي لكم تلك الفقرة التي وردت في نفس المصدر السابق، كي يعلم ما بها، ونتعلم منها، أملاً في تحقيق التآلف والنجاح والإبهار. يقول العلم إن كل شيء في الكون هو (اهتزاز). وعليك أن تدرك (كيف) تجذب كل ما أنت راغب فيه. وفكرة الأمل، والحب المنعتق من كل أنانية، والإعجاب، والسماح، تخلق فينا اهتزازات سامية، سريعة، تنظم إلى الاهتزازات المماثلة وتشكل معها ظاهرة قوية. وحين نشعر بانحطاط فإن اهتزازاتنا تنخفض، وتبطئ، ولا يبقى شيء مما هو سعيد ومنسجم في حقل الجاذبية عندنا

من هنا نعلم كيف نفقد أعظم الآمال. إننا كالحجر المغناطيسي الذي فارقه المغناطيس، ويلزمنا جهد واع لكي نحرك اهتزازاتنا من جديد في سبيل تحقيق آمالنا. فلو أننا زرعنا داخلنا أفكار السعادة والفرح، والطموح والنجاح، مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة المحبطة. . سنفلح حتماً في العيش مع النفس بسلام . . وسنعرف كيف نمضي قدُماً على درب الزمان، آملين في النهاية بالالتقاء مع السعادة والفرح .. والنجاح . . وأيُّ نجاح! حقاً . . ما أندر أن يجد الإنسان نفسه وقد تجسدت أحلامه، وتحققت آماله . . ومازالت روحه شابة، وقلبه ضاحكاً، وفمه مبتسماً. هذا الإنسان الناجح السعيد هو الذي يعيش جيداً، ويضحك جيداً، ويحب أكثر، ويكسب احترام الأذكياء وحب الأطفال، وهو الذي يملأ مكانه
وينجز مهمته، ويترك العالم أفضل مما وجد

Nov 13, 2007

الآخر


حدث لي مرة موقف معين أثار فضولي وجعلني أُدقق النظر داخل نفسي بحدة أكثر وبعمق أكثر . . . خاصة بعد أن لاحظت تكرار هذا الموقف الغريب . فقد كنت أنوي أن أُخفي شيئاً ما بداخلي، شيئاً أحببت أن أكتمه عن محدثي . . كان هذا قراري. وكان ذاك رأيي . . رأيي أنا النابع من ذاتي دون إجبار من أحد
وفجأة . . . وجدتني أندفع في الكلام كالرشاش، وألغي تماماً تلك الاتفاقية الفردية الذاتية الخاصة جداً ! وتعجبت ! كيف حدث ذلك؟ ألم أتفق بيني وبين نفسي أن أكتم هذه الكلمات وأن أحول دون تسربها إلى لساني !؟ أمعنت النظر حولي، واسترجعت أحداث الموقف .. ولاحظت أنني كنت منفعلاًً إلى درجة لم أشعر بروحي وأنا أنطق تلك الكلمات واكتشفت شيئاً عجيباً . . اكتشفت أن هناك شيئاً ما في داخلي يتكلم أحياناً رغماً عني، رغماً عن إرادتي .. وكأن هذا الشيء هو الأنا (الآخر)، له وجهة نظر أُخرى، فتفاجئني بقرارات وانفعالات لا أتوقعها ولا أنتظرها منها أبدا !! ودهشت وأنا ألحظ وأفهم أشياء كثيرة وعجيبة، جعلتني أعيش بين الناس، وأنا أحس وأشعر بـ (الأنا) الآخر داخلي، وكأنه واحد آخر غريب، يختلف تماماً عن الشخصية التي أراها في المرآة ! ! وتحدثت مع ذاتي، تناقشت معها في هدوء، بعد أن أيقنت بوجود (الآخر) معي، وحاولت أن أعيش في سلام، ولكننا أحياناً ما كنا نختلف!. ومع الوقت .. فهمت شيئاً جديداً! فهمت أن أسعد إنسان . . هو ذاك الإنسان القادر على أن يتعايش مع نفسه بسلام، دون معارك تتقد تحت جلده. فالتناقض الذي يصيبنا أحياناً يجعلنا نقف حيارى أمامه، ويتركنا عاجزين عن التصرف حياله.. حتى يباغتنا بتلك القرارات المتضاربة.. المتعارضة ! . . وكي لا تصل إلى هذه النقطة، يجب أن نحرص دوماً على أن يبقى داخلنا هو خارجنا. يجب ًأن نبذل الجهد من أجل إيجاد ذلك التناسق والتناغم بين الداخل والخارج. فلا نقول غير ما نفعل . . ولا نفعل غير ما نقول . . ولا نقول غير ما نؤمن به ونقنع ونقتنع، حتى لا نقع فريسة السقوط بين مسننات التروس . . تلك التي تطحن الإنسان لحظة ما يغفل عن صدق ذاته، ولحظة ما يُهمل إثراء حياته .. بتلك السعادة الخفيّة التي تشع جمالاً مرئياً تبثه ألحان الروح.. حتى تُعزف موسيقى التوازن النفسي بين العقل والنفس والبدن

Nov 11, 2007

عشقوا الكلمة ... فعشقتهم



جميل أن تزداد قيمة القديم العريق، وأجمل أن تتضاعف قيمته مع الوقت، والأجمل أن يدرك الجميع ذلك، وأن يحرصوا عليه ففي القديم العريق خلاصة التجربة والخبرة.. وعصارة الزمن والحياة ! أقول رغم ابتعاد التعبير عن المعنى الذي أريد، إلا أنني أقول أن حفلات التكريم التي تُقام على شرف الرواد الأوائل للصحافة تعبر عن ذلك أحسن تعبير فهذا يعني أن هذه المهنة فيها الوفاء والحب الذي لا يعرف الحدود، فيها التقدير الذي لا يتوقف لهؤلاء العمالقة الأوائل الذين أحبوا القلم فأحبهم، وعشقوا الكلمة فعشقتهم، وقدّروا المهنة فقدرتهم إنهم عاشوا في دنيا الصحافة بكل صخبها، ضجيجها، إرهاقها، ومعاناتها.. عاشوا فيها مع الكفاح والصبر والجهد والمثابرة.. حتى أصبحوا يتمركزون عن جدارة واستحقاق في الموقع العملاق. حقاً.. يجب أن يكون الرجل عملاقاً ليشغل مكاناً عملاقاً. فكما أن الأصفار لا تستطيع وحدها أن تخلف رقماً كبيراً، كذلك المقعد وحده لا يخلف العملاق ولا ينبته، وإنما العملاق هو الذي يملاً المقعد ويفيض عنه.. بالعمل والفكر والكفاح والصبر. إنهم هناك.. هؤلاء العمالقة يفكرون ويكتبون ويفسرون



فهم حقاً... عشقوا الكلمة.. فعشقتهم

Nov 10, 2007

العين الثالثة




هل فكرت مرة أن تنظر إلى نفسك بإمعان ؟ ! لا أقصد أن تقف أمام المرآة وأن تتفحص رأسك وجسمك.. وإنما أقصد أن تنظر إلى نفسك بعينك الثالثة... عين العقل
أهل (اليوجا) يؤمنون أن للإنسان عيناً ثالثة تُجسد أهم القدرات غير العادية للعقل الإنساني. فهذه العين الذاتية غير السحرية قادرة على رؤية الماضي رؤية واضحة، كما وأنها تجعل صاحبها (اليوجي) قادراً على الرؤية والانتقال مئات الأميال بعينه الثالثة، حيث يرى ما لا تستطيع عيناه أن ترياه.
والوصول إلى هدوء النفس والعقل من أهم تدريبات اليوجا، ففي ظلها تنشط العين الثالثة، ويتولد ضوء جديد كما يقول الأستاذ (لو مشوا)، الذي يؤكد أن تدريب الجسم يُظهر 72 ألف ناديس أي قنوات عصبية، وسبعة شكراس أي مراكز الأعصاب، وهي كالعضلات قد تنمو وتتطور، أو تذبل وتموت نتيجة لعدم الاستعمال
والآن.. هل تحب أن تعرف موقع هذه العين (اليوجية) ؟! إنها تتوسط المسافة بين الحاجبين، وبها يرى (اليوجي) وبالألوان الطبيعية الجميلة شجرة يعرفها، أو حديقة يحبها، أو لوحة يُعجب بها، أو بيتاً يحلم به، أو وجهاً يعشقه... فقط وفقط في أعماقه
ولا يجوز إطلاقاً تدريب العقل والمعدة ممتلئة، لأنها تثقل النفس، وتدفعها إلى النوم.. بدلاً من الإنطلاق بعيداً بعيداً في الأعماق. أخيراً.. لك أن تختار بين التمتع بتلك المناظر والوجوه التي تحبها، والتي تراها معروضة بالألوان على شاشة أعماقك ! أو النوم مسترخياً مع معدة ممتلئة عامرة بعيداً عن وجع الدماغ هذا.. وبلا حتى نظرة واحدة إلى الداخل.. أو الخارج

لحن يُعزف تلقائياً



دموع التماسيح يُقال أنها دموع خائنة خادعة، تنهمر وتسيل، بينما دماء الفريسة تُهدر وتُسفح.. وأعتقد أنها لذلك تكون دموعاً رطبة.. باردة
أما دماء الشعراء التي تهطل وتنهمر بلا انقطاع حباً وشغفاً وهياماً، فأتصورها دموعاً حارة لاهبة، كتلك الزفرات الملتهبة الساخنة التي تصعد عالية في سماء الحب والغرام، ولو اجتمعت جميعها في زمان واحد لأحرقت بنيران جحيمها الكرة الأرضية! هذه بالطبع مبالغة أدبية، تليق بمجالس الشعراء وأحاديثهم. فمنذ أن كانت المرأة والجمال والحب، والشعراء قديماً وحديثاً يعزفون على قيثارتهم ذلك اللحن الخالد الذي لا ينتهي أبداً. هو لحن يتكرر في نغمه، ومع ذلك يبقى جديداً متجدداً، لا يمل ولا يفقد جدته وحداثته! فمازالت الأُذن تُرهف لسماعه، والقلوب تتفتح لإيقاعه، والمشاعر تهتز لأنه صلة الطبيعة بين الرجل والمرأة، وهذا اللحن هو الذي يُعزف تلقائياً حينما تتأجج عواطف الحب ومشاعر الجمال، ورؤيا المرأة التي يعزف قلبها.. نغمات العاطفة المرهفة الصادقة

Nov 7, 2007

نحن لا نفهم الحب




نحن في الشرق نخاف الحب.. ونخجل من الكلام عنه أمام الغرباء، فإذا أردنا الإفضاء بمكنون قلوبنا اخترنا أقرب الأصدقاء.. لنشكو من تجربة.. أو لنستنير برأي
نحن حقيقة نخشى الحب، أو نقول فيه كلمتنا المأثورة (الحب بهدله)! لأن عواطفنا التي يلهبها الحب، ترهق تفكيرنا، وتتعب أعصابنا، وقلّما نستطيع تحملها، ولاسيما أن الجميع يستخف بتلك العواطف، ويظلمها حين لا نفهم هذه المشاعر على حقيقتها، ونخلط بين الحب.. والشهوة
فيا تُرى.. ما هو الحب ؟
وهل نستطيع حقاً الوصول إلى تعريفٍ له ؟؟

يقول (سقراط) : الحب ألوان كما أن الجنون ألوان
أما (أبقراط) فيقول: الحب امتزاج النفسين، كما لو امتزج الماء بماء مثله عسر على تخليصه بحيلة من الحيل، والنفس ألطف من الماء وأرق مسلكاً ويقول الدكتور (جودت مدلج) في كتابه الحب في الأندلس: الحب يتميز عن الشهوة بأنه نزعة عطاء للشخص المحبوب، فيما الشهوة نزعة امتلاك له، وبين هاتين النزعتين فرق شاسع. فالرجل عندما يشتهي امرأة يعني أنه يريد امتلاكها لذاته، وفي هذا الامتلاك عبودية وأنانية.. ولكن عندما يحبها يعني أنه يريد منحها ذاته، وفي هذا تجرد ونيل.. وهكذا تقتصر الشهوة على حب الذات، بينما يتسع مفهوم الحب ويسمو إلى العطاء
ويعود يقول في نفس المصدر : الحب أرقى عملية يمارسها الإنسان، لأنه من خلالها تستطيع مكوناته الجسمية والنفسية والعقلية جميعاً أن تمارس أعلى وظائفها وأعمقها تغلغلاً في كيان الإنسان. والحب عملية واعية فاهمة عميقة، بل لعلها العملية الوحيدة التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يصل إلى أعمق أعماق شخصيته
في هذا يقول (بيتر فيلتشر) : البحث عن الحب إنما هو بحث لمعرفة الذات، ورغبتنا في الحب هي رغبتنا لأنه يعترف بنا لا من أجل ما نفعل ولكن من أجل ما نكون
.. ويدور بخلدي سؤال.. سؤال جلست أفكر به طويلاً، وأبحث كثيراً عن إجابة له تخلّصني من تلك الحيرة التي أحس بها وأعانيها
تُرى.. هل من الأفضل لنا أن نكون محبين.. أم محبوبين..؟
وبمعنى آخر .. هل من الأفضل للإنسان إعطاء الحب وتقديمه للآخرين، أي يكون محباً ..؟ أم الأفضل له كسب حب الآخرين ويكون محبوباً..؟
قد يفضل البعض أن يكونوا محبوبين يحصلون على الحب من كل الناس.. فلا شك أن هذا الشعور يرضي غرور الإنسان ويشبع أنانيته وربما يستشهدون على صحة رأيهم هذا بدور الطبيعة الأم، وكيف تقدم الحب أولاً للإنسان حين يولد صغيرا.. ً ضعيفاً.. فتجد الأم تقدم له كل ما تملك من حب.. وحنان.. ولكن.. هذا الصغير الضعيف الذي يزعمون أنه يأخذ الحب أولاًً، ألا يقدم الحب على طريقته الخاصة لأمه منذ ولادته ؟؟ أليس هدوء الطفل وسكينته على صدر أمه دون باقي البشر تعبيراً ما عن الحب ؟؟ أليست بسمته لها تعبيراً عن شعوره بالحب اتجاهها ؟؟

وأعود للتفكير في هذا السؤال الذي يبدو لأول وهلة سهلاً.. وإن كان يحتاج في نظري إلى تفكير وتقدير.. قبل وضع إجابة مرضية ومقنعة له
هذا السؤال في قناعتي لا يحتمل إجابة واحدة.. هي أن نقدم الحب أولاً، فالإنسان القادر على الحب.. لا بد أن يكون إنساناً محبوباً بالتالي

فمردود الحب.. هو الحب
وناتج الحب.. هو الحب
فقلوب البشر مثل المرآة.. ولا توجد مرآة تعكس الضوء ظلاماً.. وهكذا هي القلوب.. إذا قُدّم لها الحب حتماً ستقدم الحب.. إذن من الأفضل أن نحب.. لأننا هكذا سنحظى بمتعة الحب ونعمة المحبة
وإذا كان الحب عملية فاهمة واعية عميقة، فلماذا لا نعبأ بأن تنبض قلوبنا دوماً به.. كي نعيش سعداء، يشدنا جميعاً أقوى رباط، وأسمى عاطفة، وأرق شعور.. شعور يحفل بالنيل والتجرد والعطاء، عطاء الذات، عطاء كل شيء
ألا.. وهو.. الحب

جدار الواقع



لا يوجد إنسان ليس عنده حلم بعيد لم يتحقق بعد، ويظل يتمنى أن يطول به العمر كي يتحقق، وربما بعد أن يصل يكتشف أنه لم يبلغ ذلك الحلم البعيد الكبير وأنه قد بدأ يحلم في اللحظة نفسها بحلم آخر أبعد وأكبر.. فيظل يدعو أن يطول به العمر، كي يتحقق هذا الأمل الجديد البديع
وهكذا.. تمضي الدنيا حلماً وراء حلم، وأمنية تتبع أمنية، حتى تنتهي الفترة المقسومة له في الحياة، سواءً أكانت فترة عناء وشقاء، أم راحة واسترخاء. وذات يوم.. اهتديت إلى أن الإنسان لو شعر بأن كل أمانيه تتحقق، لذاق معنى التعاسة والأرق، ولعرف طعم اللامعنى المرير، لساعات الحياة الطويلة.. الطويلة. فكثيراً ما يشعر الإنسان برغبة حادة في العيش مع نفسه.. في التقوقع داخل جدران قفصه الصدري.. بعيداً بعيداً عن كل الآخرين
حينئذٍ.. سيرى جدران حياته وقد اختلفت ماهيّتها.. تفاوتت درجات سماكتها، فمنها ما هو شفاف.. وما هو معتم.. ما هو سميك وغليظ.. وما هو رقيق ناعم. . ومنها ما هو خشن.. وما هو أملس. سيلتفت حوله في سكون ويبتسم ويضحك وهو يرقب نفسه في مرايا جدران ذاته.. مرايا ذات أسطح عاكسة كاذبة.. كمرايا الملاهي التي نرى أنفسنا فنضحك لأول وهلة من أنفسنا!! ثم نحس بإزدراء بات باهتاً يطوف بمشاعرنا، ويفيض في وجداننا، لأننا نعلم أن هذه الصور الهلامية ليست صورنا الحقيقية.. وأن وراء هذه المرايا الساخرة يوجد جدار جاد صامد، لا يبتسم ولا يثير الابتسام

إنه جدار الواقع الصلب بكل قوته وخشونته، فهو يسلبنا الراحة مع الذات، ليعيدنا إلى الاتصال المباشر مع الآخرين! يرغمنا على التعامل مع الحياة بحرارة.. قريباً قريباً من كل الآخرين
ربما يكون هذا الجدار مبنياً على الوهم.. أو الخوف.. أو القلق.. أو الملل.. أو حتى لمجرد الرغبة في ممارسة لذة الصمت

أنت حين تتألم


ألم . عذاب . حيرة . ضيق . توتر . معاناة


أحاسيس عظيمة طاغية، تثور في نفس الإنسان فتطحنه وتسحقه، تبدّد ذاته ذرات مهما حاول بعدها أن يتصلب، يتماسك، يلملم شتات نفسه الضائعة .. تظل جهوده هباء في هباء ..
هذا هو الألم الذي قال عنه الكاتب "الفريد دي مونسيه" * : لا شيء يجعل الإنسان عظيماً غير ألم عظيم
لكن . . يبقى هناك تساؤل يظل معلقاً في الذهن عن ما هية الألم !؟ وكيف يفعل فعله هذا في الإنسان !؟ كيف يفتك به؟ كيف يفترسه حتى لا يكاد يبقى منه شيئاً .. كيف يكبله؟ .. كيف يقيده، كيف يجعله غير قادر على العمل، على العطاء، على الإنتاج !؟
فالألم عندما يداهم واحد من البشر، يأتي عليه، يكاد يحيله جثة تعسة خامدة، جثة تتنفس، تتحرك لكنها، لا تشعر سوى العذاب والكآبة والانقباض، جثة قد ترفض المشاركة بأي دور ولو يسير في دنيا الحياة
. . . وهنا
يطل التساؤل برأسه ثانية .. ترى ماهية الألم ؟
الألم الذي أتحدث عنه الآن عزيزي الكريم، ليس هو الألم الجسدي الذي ينبهنا إلى وجود مرض في الجسم، فنندفع لعلاجه أملاً في الشفاء
وإنما هو الألم النفسي الذي ينبهنا إلى عيوبنا، فنندفع لإصلاح أخطائنا، ربما بدافع من الإحساس بالندم أو عذاب الضمير
هذا هو الألم بمعنى الإحساس السامي الذي يميز الإنسان المتحضر عن الإنسان البدائي وكأن الألم هو النار التي تصقلنا، النار التي تجعلنا أكثر صفاء، النار التي تحول الفحم داخلنا إلى ماس لامع براق .. هذه هي نعمة القدرة على التألم .. أما هؤلاء فاقدي الإحساس بالألم، عديمي الشعور بالعذاب بالندم، هؤلاء المجردين من نعمة القدرة على التألم ما تلبث أن تحولهم نار الألم إلى رماد لا قيمة له
.. فالألم هو الأداة الغامضة التي تنبهنا إلى حقيقة أنفسنا، الأداة التي تفتح عيوننا على بشاعة أخطائنا. فلنعمل جاهدين

على التخلص منها

إذن الألم ..


باختصار شديد من وجهة نظري هو تلك القوة المبهمة والقوة المحركة التي تجعل عقولنا تسيطر على أنفسنا، فتجعلنا نتراجع، نفكر، نتصرف بطريقة أخرى .. طريقة نقية صافية .. ومن هنا تنبع السعادة الحقيقية .. فنحن عندما نعاني .. عندما نتعذب .. عندما نتألم .. نصبح بالتالي أكثر عطفاً على الآخرين ..
أكثر تسامحاً معهم

أكثر إحساساً بوطأة آلامهم .. وبالتالي .. أكثر إنسانية


____________________
شاعر فرنسي، ولد في عام 1810 ورحل عام 1857 *

نمعن في تجاهل الزمان



عمر الإنسان.. هل يقاس بعدد السنين التي عاشها.. أم بحجم الشعور الذي يضمه قلبه؟ هل هو يخضع لمبدأ الكم؟! أم الكيف ؟
هنا تختلف الآراء، فالبعض يقول: سنوات العمل هي المقياس الوحيد، فالشباب شباب، والشيخوخة شيخوخة
البعض الآخر يركز على قيمة الإحساس، وكيف يشعر الإنسان بعمره ؟! هل يرى نفسه شاباً عجوزاً أم عجوزاً شاباً ؟
فكثير منا قد يلهون عن أنفسهم، ويُنسون في ضجيج وصخب الدنيا أن ينظروا في شهادات ميلادهم، أو حتى أن يذكروا مواعيد ميلادهم. إنهم يكونون مشغولين دوماً بالأهم والأعظم، فالدنيا ملهاة، وقليل من يفيق من تأثيرها ليقف ثابتاً ينظر حوله، فالعيون.. أغلب العيون تدور في فلك واحد، ومحيط واحد قلما يتغير
وينهمك كل منا في عبور محيطه الخاص، وهو في سباحته الشاقة هذه لا يلتفت إلى الآخرين، ربما كان لا يسمعهم ولا يراهم، فهدير الأمواج يصم الآذان، ورذاذ المياه يعيق الرؤية وفي النهاية.. عندما نعبر تيارات المياه العاتية هذه .. قد نتوقف برهة ننظر إلى أنفسنا بعين الدهشة.. أحقاً هذا الكائن الغريب هو "نحن" ؟
وندهش أكثر ونعجب أكثر وأكثر، ونحن نرى الأيام تترك آثار مرورها .. لكننا نمعن في تجاهل الزمان ويمضي كل منا حسب هواه فرحاً يوهم نفسه بأنه مازال شاباً، يحدث نفسه مرحاً .. الشباب شباب القلب
وكما قال د. مصطفى محمود : إن دقات الساعة تقدم لك زمناً مزيفاً .. ابحث عن زمنك الحقيقي في دقات قلبك ونبض إحساسك .. ومع دقات القلب، ونبض الإحساس .. ومع الفرح والمرح الذي يشعه هذا الاعتقاد الدائم الشباب، أجدني أميل إلى هؤلاء البعض الذين يُخضعون عمر الإنسان لمبدأ الكيف.. لأن هذا الرأي يقنعني أكثر.. فما معنى أن يعيش الإنسان حتى يتجاوز عمره المائة عام.. وهو خامد خائب، لا عملاً عظيماً أتى، ولا شيئاً كبيراً قدم.. وإنما فقط وُلد وعاش كأنه (فقاعة) لم تخلف أثراً وراءها
ثم.. هل يمكننا أن نقارنه بذلك الإنسان الآخر، ذاك الذي كُتب له أن يحيا حياة قصيرة .. نابضة بالنجاح ؟
هذا الإنسان الذي جاء وسرعان ما مضى .. ورغم ذلك ترك خلفه أثراً كبيراً لا يُمحى.. وخلّف وراءه عملاً عظيماًَ فارقاً، لا يمكن تجاهله .. أليس هو في الواقع أسعد حظاً من ذاك الذي قضى عمره خامداً خائباً.. لا عملاً عظيماً قدم.. ولا معروفاً كبيراً فعل ؟

الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان المعطاء، الدائم العطاء، الذي يأمن جانب الحياة، ولا يخضع لمخاوف غدر الزمان، ولا يستسلم للقلق والأحزان الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان الذي لا يفقد تعلقه بالعمل، ولا يخسر رغبته في استمرار الكفاح.. من أجل النجاح

الإنسان الشاب في نظري هو ذاك الإنسان الحر، المتحرر من عبودية الروتين، غير المقيّد بسيور العادة، وغير المكبل بقيود القديم.. وكي نبقى أناساً دائمي الشباب.. علينا أن نعرف كيف نجدد حياتنا من وقت لآخر، وكيف ندخل البهجة إلى نفوسنا في أغلب الأوقات، وأن نحرص طوال الوقت، على طرد الضيق والقلق والأحزان .. كي لا تخلف وراءها السموم في الأبدان وأخيراً.. الإنسان الشاب في نظري، هو ذاك المعطاء الذي يتأثر، يحس، يشعر بالآخرين حوله، يتألم لألمهم، ويفرح لفرحهم.. فبقدر ما نتعاطف، نتراحم، نتآزر، نتعاون .. بقدر ما نمارس إنسانيتنا.. نستمتع بسعادتنا.. ونهنأ بحياتنا
بغض النظر عن عدد السنين التي نعيش.. ونحيا

Nov 6, 2007

أقوال .. لا أفعال



في دنيا كل منا متاعب كثيرة، مختلفة الأشكال والألوان والأحجام، وإن كان بعضها حقيقياً، والبعض الآخر وهمياً لا وجود له في الواقع وفي الحقيقة.. كثير من هذه المتاعب التي نتعرض لها، وما تسببه لنا من قلق وهموم وأحزان ليست صادرة عن المتاعب ذاتها، وإنما هي تنبع من داخل النفس أحياناً.. حين ننظر إلى المواقف المختلفة المحيطة بنا بعين التطير والتشاؤم.. ونعتبر نتائجها متاعب ما بعدها متاعب. والعجيب أن الموقف الواحد، قد يختلف على نتيجته اثنان، أحدهما يعتبره موقفاً شاقاً مرهقاً، يضني النفس ويوجع القلب، بينما الآخر ينظر إليه ببساطة متناهية، ويعدّه شيئاً عادياً لا غبار عليه ولا يستدعي إطلاقاً كل هذا القلق والتوتر والانفعال، وما يخلفه من هموم وأحزان. ومع اختلاف الأحكام، نجد أن الناس تختلف في نظرتها إلى الحياة، وفي تقديرها للأمور اختلافاً عظيماً، فهم مختلفون في تقييمهم للقبح والجمال، وكما يجب أن لا يكون أو يكون، ولما هو خطأ أو صواب.. إذ تختلف نفوس الناس، كما تختلف وجوههم.. وبالتالي تختلف أفعالهم وأنماط سلوكهم وقديماً قالوا: إن للأفعال صوتاً أعلى من صوت الأقوال؛ لهذا يجب أن يحكم الناس على الآخرين بأفعالهم، وتصرفاتهم، وليس فقط بكلامهم. صحيح قد تكون النوايا الطيبة موجودة.. لكنها وحدها لا تكفي. ومن المدهش أننا كثيراً ما نلتقي بأناس حسني النيّة، صافي السريرة، إلا أنهم يكتفون بهذا القدر، ويقنعون بالوقوف عند هذا الحد، ولا تخرج أعمالهم أبداً إلى دنيا الواقع، ولا تصدر أفعالهم إطلاقاً في عالم الحقيقة.. مجرد نيّة طيبة صافية.. فقط !! أما الأفعال المحسوسة الملموسة فلا وجود لها في واقع الحياة ومن هنا .. قد تأتي بعض المتاعب، حين نتكاسل عن القيام بأداء واجب ما، في وقت ما، لشخص ما.. هذا التأجيل المستمر يصعّب العمل، وكما قالوا: التأجيل يجعل العمل السهل صعباً، كما يجعل العمل الممكن مستحيلاً.. فلنعمل دوماً على تغيير أنفسنا إلى الأفضل، ولنعلم أن الإنسان في حالة تغير دائمة، فأنت لست نفسك قبل سنة.. أو قبل سنوات.. أنت تغيرت وتغيرت ومن المؤكد أنك تلمس بنفسك مواطن هذا التغير، وحتماً أنك تعرفها أكثر من غيرك.. فلماذا لا يكون تغييراً نحو الأفضل والأحسن والأجمل ؟ فليواجه كل منا مواطن ضعفه بقوة وشجاعة، وليتعرف كل منا على أخطاءه، وليعترف بوجودها صراحة بينه وبين نفسه.. ولنعلم جميعاً أن لكل إنسان، مهما كان قوياً، نقطة ضعف، وفي كل إنسان مهما كان ضعيفاً مركز قوة فليقف كل منا وقفة مع النفس.. ولنتصارح بصدق الذات، لنحاول معرفة ماهيتها عن قرب، ولنتعرف على حقيقتنا عن كثب.. كي نفهم أنفسنا فإذا لم نفلح في ذلك، أقصد إذا صعب علينا ذلك، وأخفقنا في معرفة أنفسنا، وفهم حقيقة ما بداخلنا.. فليس أقل من أن نعرف كيف نعيش.. وكيف نحيا بل.. كيف نمارس فن الحياة

لو علمنا الغيب ؟



يتوق الناس لمعرفة الغيب .. يتلهفون على كشف أسراره، وما يمكن أن يحدث لهم في المستقبل .. فنرى من يذهب منهم إلى المنجمين، ومن يحملق في فنجان قهوة كان مقلوباً .. أو يركض إلى ضاربي الودع .. وقارئي الكفوف
.. ونسمعهم يشهقون فرحاً أو حزناً، وهم ينبهرون بما يسمعون من أخبار تتعلق بغيب المستقبل .. لكن .. ماذا يمكن أن يحدث لو عرف الإنسان أسرار الغيب ؟
هل فكرنا في ذلك ؟
وهل تخيلنا كيف يكون حالنا لو عرفنا مقدماً آتي أخبارنا .. وكشف غيب أيامنا .. وأطلعنا على أسرار مستقبل زماننا ؟
ماذا يحدث للطالب لو عرف بطريقة الغيب أنه سينجح آخر العام ؟! وماذا يمكن أن يحدث لو عرف أنه سيرسب آخر العام ؟
وأنت .. ماذا يكون شعورك .. وكيف يكون موقفك تجاه صديق لك أخبرك الغيب أنه سيخونك بعد أعوامِ طويلة من المحبة والصداقة ؟
أيضاً .. ماذا يكون إحساسك .. وأنت تعرف أنك ستموت – لا قدر الله – يوم كذا .. في حادث سيارة عارض .. أو في كارثة سقوط طائرة عابرة ؟
هل ستستطيع بعدها أن تركب سيارة .. أو تمتطي متن طائرة ؟
أو .. كيف سيصبح حالك لو علمت أنك ستنعم بثروة طائلة تهبط عليك فجأة من السماء، بعد الفوز بإحدى الجوائز المالية .. أو إثر وفاة أحد الأقرباء الأثرياء ؟
هل ستبقى رغبتك في العمل البسيط الذي تمارسه كما هي ؟! وهل ستطيق صبراً سنوات الفقر النسبي هذه التي تعيشها .. إلى أن يحين موعد هبوط الثروة الخارقة عليك ؟
لا أعتقد أبداً أنك ستسعد عبر أيام الترقب، وخلال ليالي الانتظار .. انتظار الثراء الواعد المرتقب
وهنا .. نصل إلى احتمالين لا ثالث لهما، احتمال الحزن، واحتمال الفرح، فالغيب لا يستطيع أن يمنحنا إحساساً ثالثاً محايداً، جامداً، خامداً، باهتاً .. لا لون له، فإما شيء مؤسف يشقى به الإنسان ويحزن، وإما شيء مبهج يسعد به ويفرح
فإذا حدث أن علمنا بعد كشف أسرار الغيب، أن شيئاً ما مؤلماً سيحدث بعد فترة زمنية معينة .. فماذا يكون شعورنا إذن؟

من المؤكد أننا سنعيش فترة خوف وحزن وقلق وهموم طوال الوقت .. أما إذا لم نعلم الغيب، فيمكننا أن نعيش حياة طبيعية عادية، يتخللها الفرح والمرح، إلى أن يقع هذا الحادث المحزن
وهنا .. قد نعاني الجزع والحزن بضعة أيام إلى أن تزول وتُمحى آثاره
إذن .. معرفتنا بالغيب، أدت إلى زيادة حزننا، ومضاعفة ألمنا .. ولم تفدنا بشيء
وفي الحالة الثانية
إذا أخبرنا الغيب مثلاً أن شيئاً ما مبهجاً مفرحاً، سيحدث لنا خلال عام على الأكثر .. سنجد أننا لن نحاول تحقيق أي شيء كان، بالذات هذا الشيء السعيد المفرح، لأننا سنبقى واثقين متأكدين من حتمية حصولنا عليه .. فلماذا إذن نحاول تحقيقه ؟
فمثلاً .. إذا عرف الطالب مسبقاً، عن طريق كشف الغيب أنه سينجح هذا العام، وسيكون مجموع درجاته 99% .. هل سيرغب هذا الطالب فعلاً في المذاكرة ؟! وهل سيقدر على تحقيق هذا النجاح ؟! أم سيتواكل ويتكاسل وينتظر جامداً هامداً .. حتى تظهر نتيجته المرجوة .. دون جهد .. دون بذل .. دون عطاء؟
فعلاً .. إن معرفة الغيب هنا تفقدنا الشعور بالنشوة، وتسلبنا الإحساس بالسعادة، بالانتصار .. حين يتحقق حلم الإنسان. وإذا حدث أن عرفنا عن طريق الغيب، ما يمكن أن يحدث لنا .. سواء كان شيئاً سيئاً أو جميلاً، سنرى في كلتا الحالتين أن الإنسان هو الخاسر
نعم .. سيخسر الإنسان متعة الأمل، وبهجة الأمنية، وفرحة الحلم .. ولذة الطموح .. وسيبقى يعيش حياة باهتة، جوفاء المعنى، خالية المغزى .. فهو يدرك أن حلمه لن يتحقق، وأن أمله سيكون، فلن يشعر بتلك المشاعر التي يشعر بها الإنسان بعد الكفاح والنضال والعمل من أجل تحقيق أمل ما
وهنا ...
تتجلى نعمة الخالق سبحانه وتعالى، في أنه لم يمنح الإنسان هذه المقدرة على كشف أسرار الغيب

ولا شك أن الله قادر على ذلك، فلو أراد سبحانه أن يهب الإنسان تلك القدرة لكان له ذلك .. لكنها رحمة الله بعباده أن يحجب عنهم معرفة الغيب، وهو وحده جل جلاله عالم الغيوب.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: لو أطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع

Nov 5, 2007

سيل الذكريات


.. قديماً قالوا : " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ".. علمونا معنى هذه الحكمة الحادة المسنونة صغاراً. فمضينا وهذا السيف الخفي يخيفنا ويحز في أعماقنا.. وعشنا نحسه يمزق وجداننا كل يوم عشرات المرات . . علمونا أن نحترم حكمة " لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ". أرهبونا من عاقبة التأجيل والتسويف والمماطلة، فكنا نقاوم التعب والنعاس أطفالاً. ونسهر بعد اللعب البديع.. نسهر والإرهاق يهدُّ أبداننا الضعيفة كي نعمل الواجب المدرسي الثقيل، جزعاً من تأجيله إلى الغد، وخوفاً من سطوة العقاب في الغد . . فكنا نعمله بطريقة سلق بيض، سرعة بسرعة . . وكبرنا وكبرت معنا قيمة السرعة، فأصبحت تصاحب أشياء كثيرة في حياتنا، فمنا أصبح يتحدث بسرعة، يتحرك بسرعة، يرتاح بسرعة، يعمل بسرعة، يفكر بسرعة، يحب بسرعة.. ويملّ بسرعة وباختصار شديد غدونا نعيش بسرعة في عصر السرعة، حتى مشاعرنا، أفكارنا، أحلامنا، أمست تتبدل بسرعة . . تتغير بسرعة.. تتلاشى بسرعة . . وما أن تأتي عطلة ما .. عطلة شتاء قصيرة، أو عطلة صيف طويلة، حتى تجدنا لا شعورياً نشتاق الراحة ونحلم بالاسترخاء، اشتياق الظمآن السائر في صحاري بلا واحات .. فما أن تبدأ العطلة حتى يسارع هذا المتعب المرهق المسكين "لاحظ أيضاً يسارع .." يسارع لاختلاس لحظات ممطوطات يحلو له أن يعيشها بترف التثاقل ورفاهية الاسترخاء، ملقياً عن كاهله حد هذا السيف الخفي المسنون، متجاهلاً مخاوفه من بأس سلطانه وقوته .. تحت وطأة عذاب التوتر السريع المتصل الإيقاع، وتحت ربقة هذا الشعور الطاحن بهدير شلال الدقائق الحادة الجارفة .. تلك التي ترهق أعصابنا وتسحق نفوسنا صباح مساء كم يحلو للإنسان أن ينتصر على تلك الأحاسيس، أن يخلص منها ليختلس لنفسه ساعات وحدة نائية، يحظى فيها بلحظات استرخاء هائمة لا هوية لها، ولا حجم ولا شكل ولا لون ولا زمن .. لحظات مطموسات يعيشها مستمتعاً بذاته، متلذذاً بذكرياته.. فما أروع وما أجمل وما أبهج .. سيل الذكريات فلنهدأ قليلاً.. لنقبع بعيداً عن سرعة إيقاع الساعات الساحقات.. لنتروى بعض الوقت بعيداً عن ثقل المسئولية وجدية الطموح وشهوةالنجاح لنسترخي بعيداً عن أعباء الحياة المرهقة بضغوطها اليومية الغارقة في تيارات التفوق وإثبات الذات .. ولو لساعات نعم .. لا بد من لحظات توقف حاسمة.. لا بد من لمحات هدوء ناعمة نعيد فيها ترتيب الأوراق بتروي وتمعن.. فهذا اللهاث الدائم المتصل، وهذا الطحن الذائب اللامنقطع، لن يتوقف أبداً من تلقاء ذاته .. مستحيل لا بد أن نوقفه نحن ذات لحظة عميقة واعية نعيشها برؤى جديدة، بأحاسيس جديدة، بأحلام جديدة، بأماني جديدة .. فكم هو رائع هذا الجديد.. ولكم هو ممتع أن يعايش الإنسان نفسه مستمتعاً بصحبة ذاته، مسترجعاً لذيذ ذكرياته .. فما أروع وما أجمل وما أبهج.. سيل الذكريات

سياج عيون



يقولون! أجمل وأصدق ما في الإنسان.. عيناه فإذا كان القلب هو مصدر الشعور – أو العقل – فإن العين هي محور الإحساس.. عين الإنسان نافذة يطل منها الغيرعلى أعماق النفس؛ هي كلمات نقرأها على وجه أي إنسان لنعلم ما يعتمل داخله، ويجول في خاطره فالعين عادة تعبر بصدق خالص عن عواطف الإنسان، فمن منا لم يلمح شعاع حب تشعه عين حبيب لحبيب؟! ومن منا لم ير نظرة عطف وحنو وحنان تبثها عين أم لرضيع ؟ ومن منا يستطيع أن يتجاهل تأثير نظرة حب أو نظرة كراهية. بقيت تلتحم وحنايا النفس.. سنوات.. وسنوات.. فالعين كما تقدر أن تشع الحب والحنان، تقدر أيضاً أن تبث الكراهية والمقت، فقد نراها ترسل شواظاً من نار، وترمي أسهماً من لهب وأحياناً.. نحس أننا بمجرد نظرة واحدة، قد تسمرنا أمام سد منيع، يمنعنا من الاقتراب منه سياج وهمي، وإن كان قوياً، سياج.. نسجته نظرة واحدة من تلك العيون !! في نفس الوقت.. نجد أن هذه العيون الصامته، تمتلك قدرة فائقة على المحادثة والحوار.. دون صوت، دون حس، فقد تعبر نظرة واحدة، عما يعجز أن ينطق به الإنسان فعلاً.. العين تقسو وترحم.. تحب وتكره.. تصل وتصد، ومع ذلك نبقى نتساءل.. كيف تكون للعين هذه القدرة على التأثير في الآخرين وكيف يمكن أن تعكس ما يشعر به الإنسان، أحياناً دون إرادة، دون تعمد.. دون قصد؟ أليس هذا هو سر صدقها ؟! ألم نسمعهم يقولون أن (العين مرآة القلب) إحساساً بمدى تأثيرها.. ونفاذ سحرها؟

Nov 4, 2007

قمة القوة




أحياناً.. يشعر البعض بالرغبة في رد الاعتبار، أو الأخذ بالثأر، حتى ولو كان ذلك مقابل كلمة نافرة، أو لمجرد موقف سخيف.. وضعه فيه الآخرون! إنهم يظلون يفكرون ويدبرون، وربما يخططون لكيفية الرد والانتقام، على ما كان من حوار.. أو ما حدث من مواقف ! ورغم أن الموقف قد يتأزم ويتطور، إلا أنهم أبداً لا يتراجعون عن تنفيذ رغبتهم النارية وتحقيق نزواتهم الثأرية، أملاً في أن يندمل جرح كرامتهم، وأن تُشفى خدوش عزتهم، فهم يعتقدون – خطأ – أنهم لو لم يسارعوا برد اعتبارهم، سوف يكونون ناقصي الكرامة، سليبي العزة، عديمي الشخصية والشموخ والإباء لهؤلاء البعض أصحاب القلوب الملونة، أقوال بكل الأرجاء: ما أجمل العفو.. عند المقدرة وما أروع العفو عن هفوات الناس، وغفران أخطائهم، فهذا يُعد حسنة حقيقية، فالله سبحانه كبير في غفرانه، عظيم في عفوه وتسامحه. قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. الله جلّ جلاله يدعونا إلى المعاملة الطيبة، والتسامح، والمحبة، فيمنحنا أجراً في الحياة الدنيا هو راحة القلب والضمير، ويغمرنا بمشاعر الرضى عن النفس، كما يكافئنا في الحياة الآخرة بالأجر والثواب فلنحاول أن نتسامى عن نزوة الثأر، وأن نتعالى عن رغبة الانتقام، فهذا الانتصار العابر، والزهو الوقتي، لحظة إشباع شهوة الانتقام، سرعان ما يزول ويخبو، ويعقبه ندم عاتٍ عنيف، يعصف بنا، يدمر إحساسنا.. ولكن.. بالعفو.. سنربح مكسبين ثمينين أولهما: صفاء الروح وراحة الضمير والعيش بسلام مع النفس . فهل جربت مرة كيف يكون شعورك وأنت تمارس العفو عند المقدرة؟! إنك حتماً ستشعر أنك الأقوى.. أقوى من الانتقام نفسه... أو ليست هذه هي قمة القوة؟ ثانيهما: كسب محبة الناس، حتى الأعداء أنفسهم، فيصبح حينذاك العدو اللدود صديقاً حميماً، وتغدو الدنيا أجمل وأعذب، أنعم وأرهف، مادامت نفوسنا هادئة مطمئنة، تنعم بالسكينة وتزخر بالأمان ومع الوقت، سنجد أنفسنا أسعد حالاً، فكلما كسب الإنسان صديقاً حقق انتصاراً ذاتياً ذهنياً، وبالتدريج.. ربما تربح بعض الأعداء، الذين قد تنجح في أن تضمهم إلى قائمة الأصدقاء، وحتى لو لم تفلح في ذلك، ظناً منك أن التعامل معهم من جديد غير مجدٍ وغير مثمر، فيكفي أن تقنع بالعفو عنهم، كما قال "أوسكار وايلد" : "اغفر لأعدائك فلا شيء يضعفهم أكثر من ذلك". فلماذا لا نغفر؟ ولماذا لا نعفو؟ إن البعض للأسف يعتقد أن التسامح مذلة، وأن العفو امتهان، وأن الغفران ضعف، في حين أن الغفران قوة . . وأية قوة

Nov 3, 2007

"فداك أشواقي ... أيتها "الصديقة الغالية

كنت على موعد مع الزمن للقاء.. المكان يغص بالمدعوين لحضور المناسبة، والموسيقى المتناغمة تعلن عن الاحتفاء باللحظة.. لكنني كنت أوفر على نفسي عناء -الانتظار- الذي أكنّ له مشاعر معادية تماماً. أبحث عن وجهكِ في وجوه الحاضرين أمامي، مع أنه كان متواجداً في كل الإتجاهات والزوايا، أبتسم مجاملة لبعضهن متردداً أمام مصافحة قد تسرق الوقت مني، لأنهن لا يدركن قدر علاقتي بك، يشرن لي بعض المقربات لك بسرية أنك هناك خلف الباب من أجل التهيؤ للظهور لهذا الحضور الذي يحترق شوقاً لرؤيتك بعد غياب طويل هذه المرّة، ولكنّي أحبذ اللقاء بك رفقةً ووسط الجميع
كم يتملكني شعور غريب من القلق ومشاعر شتى من المتناقضات تتأجج داخلي لوعة الفراق.. تبعث بين ثنايا روحي عبقاً من اللهفة والاشتياق للحظة، كل ما يختلجني يشعرني بالتبجيل لتلك اللحظة، عيناي بين اللحظة والأخرى يسرقن
النظر لذلك الباب الموصد

ها أنتِ ...

كما عهدتكِ دائماً بابتسامتكِ (التي تشعرني بصفاء روحَكِ) والتي فيها ما أستطيع ترجمته بيني وبين نفسي فقط ، والتي أعشقها .. لأنّ فيها من الوقار المحببْ إلى نفسي.. ها أنتِ تتلهفين إلى مكاني عندما أشارت لكِ شقيقتكِ إلى
مكان وجودي، لنشتركْ في عناق نترجمُ فيه أشواقاً جمحتها الغُربة عن التعبير زمناً

وها نحن ...

نطرح الاشتياق جانباً في لقاءٍ حميم نتخذ منه رؤوس أقلام للتعبير عما سرق الزمان منا طيلة فترة فراقنا

ها أنتِ أيتُها الصديقة الغالية، (والغالية جداً) تحزمين حقائبك غداً استعداداً للرحيل مجدداً.. ولم تسمح ليّ الأيام إلا بسويعاتٍ للقائك، وكأنها تمُنّ عليّ بصحبتكِ وتجبرني على الإكتفاء بلقاءٍ قصير نسرقه من الزمن للأقتات على تفاصيله كلما هب الحنينُ إليكِ

ففداكِ أشواقي يا رفيقة الصبا والشباب