يفيض كلٌ منا في نواصي نفسه بمشاعر جيّاشة متفاقمة، تنتظر المناسبة المواتية ليصدع بها على صخرة الواقع، فيحيلها إلى ينابيع تتفجر، وخواطر تتوالى، وعبارات تتناغم وتتراقص على وتر الشعور المترامي المنبعث من شجا القلب، وحنايا رائجة في الحواس، يمكن انشطار شظاياها الرقيقة على المحيطين بك، مما يصعد رتبة التواصل بهذا الخيط الرقيق الناصع، الحامل في طياته وسمة البهاء والجمال، وقد نكت له في الحياة نُكتة الوجود، وآزر ديمومتها بمداد البقاء، فظل شاهدها للعيان يرنو بسرور ينسل إلى الوجدان، فيصعد بالمياه الراكدة إلى أمواج هادرة، تغرق محبيها في سيولة مياهها، أما وقد أدرك الفطنون تجليات هذا الأمر، فأبحروا بمشاعرهم، وأغدقوا كنهها وفيضها لمحبيهم، فآمنوا لهم حسن المودة والتلاقي، وبشوا بهم محبتهم، وأضرموا بذلك نار الشوق والتحنان، وآخرون قد بدا من ضيق يدهم، وضمور جودها، أن اكتنزوا مشاعرهم في محيط أجوافهم، فخنقوها في تلك الظلمة الكئيبة، وأغرقوها في سواد دامس مخيف، وبعد أن كانت تتشوف للخروج من قلب صاحبها للولوج لقلب محبها وكيانه، بدت الكزازة تشوبها، وبدا عبوسها المحطم مخيماً، يتضح دون أن يكشف ستاره، ويثير الدهشة دون أن يفصح عن مراده، وأظنه لو امتلك مال الشرق والغرب، لضاقت نفسه ولغابت أريحيته، فأي شخص قد اكتنز نتفاً من إحساس يراود به قريب، ويروض به حاقن، ويدفع به شر ناقم، فلم يفعل هذا السلاح المؤثر أيمّا تأثير، لحريٌ بنفسه أن يراجع صحائف من أعماله، وأن يقلب النظر في حياته، فلعله يقع على مكمن الخلل، ويصيب الداء فيحسمه بالدواء
إن الإنسان مدنيٌ بطبعه، يعيش في رحاب غيره من البشر، تتلقفه أوضاع الحياة كنحلة في قلب محشر خلية النحل، فحاجته للتواصل ماسة، ومتفاقمة مع حوائجه في الارتباط مع الآخرين، وللإحساس بشيء من الانتماء إلى قلب الكون الذي يحيط به، وما المشاعر إلاّ مسلك لذاك التواصل، وسبيل محفوف بالرجاء والتفاؤل يدفع باذلوه إلى مزيد من التفتح، وتفتق أوصال الحياة، فيتطلع إليها بمنظار رحب فسيح، وأنى أن لا يكون ذلك، وقد بذل من إحساسه، وأشركها معطيات الحياة، ما هيأته أن يقتحم غمرة الحياة برغبة وإرادة، وأسعفته في مواطن أُصيب فيها بخلل، فكانت مشاعره الطفرة منفذاً لإصلاح ما يمكن إصلاحه، قد يبدو من بيننا من يتهاون في قيمة المشاعر، ويستخف بضرورتها، ويتهكم في محيط أصحابه جرّّاء الحديث عن المشاعر، وما يعتلج في النفس من خواطر، ولا أظن صدره خاوياً من نزر من إحساس، أو فارغاً من إحساس، بل يمتلك ما يجعله في بحبوحة مؤنسة، ولحظات سعيدة مشرقة، فعجباً لمن يجافي والديه، وينأى عن زوجه وأهله، ويسلو عن خلانه وأصحابه، ويزعم بعد ذلك أن طاقات الإحساس والمشاعر تثوران في خواطره وتسيران أمام ناظره، قد يهون البعض من أهمية المشاعر وما يدور بسببها من تأثير، ويمكن أولئك المهونين والمتهاونين أن يسيروا إلى رفوف مكتبات تعج بتبيان مشكل هذه القضايا، مما يفك عقدها، ويغزل نسيجاً متناغماً في المجتمع على رحى مراعاة المشاعر، وسيره كائناً متمثلاً في شخص جراء ما يقع من امتثاله ولبس ثوبه وتقنعه، وأخيراً شتان بين فقر المشاعر، والتي أشد على يد أولئك الذين يشعرون بضمورها، على أن يسارعوا بدلق مياه الخواطر عليها، حتى تورق أشجارها، وتنضر ثمارها بين المجتمع، وأولئك الذين تتفجر المشاعر في جياش صدورهم، ولكنهم آثروا اكتنازها، فأولئك النفر قد وجهت إليهم مشاعري وحديثي، وجابهتهم بخواطري، فعسى أن يجابهوني بها، ويزفروها من بوتقتها الكامنة من سنين
أحمد العبد القادر
No comments:
Post a Comment