Jan 11, 2008

العمل الذي لا ينقطع


فرقٌ كبير بين قولنا (العمل الذي لا ينقطع) وقولنا (الكلام الذي لا ينقطع)، لأن عدم انقطاع العمل دليل على العطاء، وقوّة العزيمة، وعلوّ الهمّة، وقدرة الإنسان على تحقيق معنى استخلافه في الأرض لعمارتها وإقامة الحياة فيها، وفق ما شرع الله سبحانه وتعالى، أما عدم انقطاع الكلام فهو دليل على الثرثرة، وضعف العزيمة، وقصور الهمة، وعدم القدرة
على العمل الذي يحقق معنى الاستخلاف في الأرض، ولا شك أنّ الفرق بين الأمرين كالفرق بين المشرق والمغرب إشراقاً وإظلاماً . لقد علّمنا الإسلام أن خير العمل أدومه وإن قلّ، وفي كلمة (أدومه) تأكيد على أهمية استمرار العمل وعدم انقطاعه، لأن انقطاع العمل انحرافٌ عن طريق المسؤولية، ونكوص عن القيام بالواجب، ولا يمكن لأمةٍ - مهما كثر عدد أفرادها - أن تكون ذات مكانة بين الأمم إذا انشغلت بالكلام عن العمل، كما لا يمكن لإنسان أن ينجح في حياته إذا لم يكن ذا عمل جاد ينطلق به في بناء الحياة التي لا تقوم أركانه إلا بالعمل والهمة والعزيمة


إن من صفات العاملين أنهم يُعنون بعملهم وجودته واستمراره، ويتحدثون بما يؤمنون به، وما يخدم عملهم وعطاءهم، ولذلك فليس عندهم مكان لفضول القول وزياداته التي لا تنفع، ولا تضيع أوقاتهم في كثرة الكلام الذي لا يحقِّق مصلحة، ولا ينشغلون بالجدل العقيم الذي لا يأتي بخير وإنما يعملون، ويعملون، ويجدون المتعة في عملهم، والسعادة في إنجازهم، ولا يمنعهم من العمل عدم قدرتهم على الأعمال الكبيرة، بل يعملون ما يستطيعون ويعلمون أنّ في ذلك البركة، وأنهم يُسهمون في بناء الحياة
إنّ روح العمل هي التي ترقى بفكر الإنسان وتسمو بهمته، وتسعد قلبه، وتجعله بشعر بأهميته في الحياة
العمل هو الذي يرفع من مستوى تفكير الشباب، ويريحهم من وحش الفراغ الذي يغتال أوقاتهم ونشاطهم وراحة قلوبهم


فما أحوج الأمة إلى التحول من مرحلة "الكلام الذي لا ينقطع" إلى مرحلة "العمل الذي لا ينقطع" - بتصرف


د. عبد الرحمن العشماوي


No comments: