قوم يركضون، لا يكادون يتوقفون، كلما رأوا بريقاً طاروا إليه، أو سمعوا صوتاً غريباً هرعوا إليه، أو لاح لهم خيال من بعيدٍ تسابقوا إليه، يركضون بلا توقُّف، وينصاعون بلا تدبُّر، ويقذفون بأنفسهم في الطرقاتِ بلا تفكُّر، فأنفاسهم دائمة اللُّهاث، وقلوبهم دائمة الخَفَقان، وأيديهم دائمة الرَّجَفان، لأنهم لا يتوقفون عن ملاحقة كلِّ ما يلوح لهم في الأفق، وما يعِنُّ لهم في الطُّرق، يحسبون كل قادمٍ قاصداً لهم، وكلَّ صيحةٍ عليهم، ولهذا فهم لا يتوقفون
هؤلاء هم الرَّاكضون بلا هدف، همُّهم أنفسُهم التي شقيتْ بهم، فما وجدت منهم ما يسرُّها ويسعدها، وإنَّما وجدت ما يُؤلمها ويُكدِّرها، ولهذا أشقتهم بقدر ما شقيت بهم، ودفعتهم إلى التذبذب والاضطراب كما دفعوا بها
الراكضون بلا هدف قومٌ ضعفت علاقتهم بربهم، فتعلَّقوا بالبشر، يتابعون الأقوى، ثم يتركونه إذا ضعف إلى من يكون أقوى، حتى يصلوا في نهاية المطاف إلى غثاءٍ لا نفع فيه، ثم ينتقلون إلى وَهْم جديدٍِ في ركضٍ جديد، حتى يصلوا إلى سوء المصير.. تعلَّقوا بالبشر دون ربِّ البشر، ومن فعل ذلك اضطرب وانكسر، وعلى خشبة الوهم انتحر
نحن نقول لهؤلاء: قفوا قليلاً، تأملوا ما حولكم، حتى تروا حقائق الأشياء، وعندها ستعرفون كم تتعبون وتخسرون..
د. عبد الرحمن صالح العشماوي
___________________________
إشارة
قد قسَّم الله أقدار العبادِِ فلن *** ترى جميع عباد الله أَشرافا
No comments:
Post a Comment