Jan 8, 2008

السلطان الحقيقي





قل لي فيم تفكر.. أقلْ لك من أنت


هل أنت مشغول بجمع المال، وامتلاك العقارات، وتكديس الأسهم و السندات؟ أم مشغول بالتسلق على المناصب، وجمع السلطات، والتحرك في موكب من الخدم و الحشم و السكرتيرات؟ أم أن كل همك الحريم، و موائد المتع، و لذات الحواس و كل غايتك أن تكون لك القوة والسطوة والغنى و المسرات.. إذا كان هذا همك فأنت مملوك وعبد، مملوك لأطماعك و شهواتك، وعبد لرغباتك التي لا شبع لها ولا نهاية. فالمعنى الوحيد للسيادة هو أن تكون سيدا على نفسك أولاً قبل أن تحاول أن تسود غيرك، أن تكون ملكا ًعلى مملكة نفسك، أن تتحرر من أغلال طمعك و تقبض على زمام شهوتك، و القابض على زمام شهوته، المتحرر من طمعه و نزواته و أهوائه لا يكون خياله مستعمرة يحتلها الحريم والكأس و الطاس، والفدادين والأطيان والعمارات، و المناصب و السكرتيرات




الإنسان الحقيقي لا يفكر في الدنيا التي يرتمي عليها طغمة الناس. وهو لا يمكن أن يصبح سيداً بأن يكون مملوكا، و لا يبلغ سيادة عن طريق عبودية، ولا ينحني كما ينحني الدهماء، ويسيل لعابه أمام لقمة أو ساق عريان أو منصب شاغر. فهذه سكة النازل لا سكة الطالع، و هؤلاء سكان البدروم حتى و لو كانت أسماؤهم بشوات و بكوات، و حتى و لو كانت ألقابهم، أصحاب العزة والسعادة.. فالعزة الحقيقية هي عزة النفس عن التدني و الطلب. وممكن أن تكون رجلا بسيطا، لا بك، و لا باشا، ولا صاحب شأن، ولكن مع ذلك سيداً حقيقيا، فيك عزة الملوك، وجلال السلاطين، لأنك استطعت أن تسود مملكة نفسك.. وساعتها سوف يعطيك الله السلطان على الناس، و يمنحك صولجان المحبة على كل القلوب. انظر إلى غاندي العريان.. البسيط.. كم بلغ سلطانه؟ كان يُهدد بالصوم، فيجتمع مجلس العموم البريطاني من الخوف و كأن قنبلة زمنية ستقع على لندن. و كان يجمع أربعمائة مليون هندي على كلمة يقولها. و كأنها السحر. هذا هو السلطان الحقيقي.. هذا هو الملك الحقيقي الذي لا يزول. الحريم والقصور والكنوز والثروات والعمارات مصيرها إلى زوال.. لن تأخذها معك إلى تابوتك.. سوف تنتقل إلى الورثة.. ثم إلى ورثة آخرين، ثم تصبح خرائب مع الزمن. أما محبة الملايين فسوف تصاحبك في تابوتك و تظل علما على اسمك مدى الدهر. كما تفوح الذكرى عطرة تضوع بالشذا كلما جاء اسم غاندي على الألسن




الغنى الحقيقي أن تستغني.. والملكية الحقيقية ألا يملكك أحد، و ألا تستولي عليك رغبة، و ألا تسوقك نزوة. والسلطنة الحقيقية أن تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم.. تذكر أن الذين يملكون الأرض تملكهم، والذين يملكون الملايين، تسخرهم الملايين، ثم تجعل منهم عبيدا لتكثيرها، ثم تقتلهم بالضغط و الذبحة و القلق، ثم لا يأخذون معهم مليماً.. صدقني هؤلاء هم الفقراء حقا




______________________

من كتاب "الشيطان يحكم" للدكتور مصطفى محمود


No comments: