Jan 14, 2008

دعوة إلى الهدوء



هدوء النفس من داخلها يعني أنها مستقرة سعيدة، راضية مطمئنة، سليمةٌ من شوائب القلق والحيرة والاضطراب، ومن نيران الغيرة الجانحة والحقد والبغضاء


هدوء النفس من داخلها يؤكد أنها في حالة مصالحة تامة مع القلب والعقل، والروح والبدن، وأنها لا تشكو من سوء الظنِّ، ولا تتخبّط في ظلمات الشك، ولا تهيم في دروب الضياع


هدوء النفس من داخلها هو الذي يجعل صاحبها قادراً على المشاركة الفاعلة في بناء الحياة على وجه الكوكب الأرضي ودفع مسيرتها في طريق النجاح وهو الذي يكوِّن شخصية الإنسان السَّويَّة التي لا تعاني من إفراطٍ ولا تفريط، الشخصية التي تتفاءل من دون غفلةٍ وتَحْذَر من دون وساوس، وتعطي كلَّ حالةٍ ما تستحق من الاهتمام دون مبالغة، وتنصرف إلى
النافع المفيد من الأقوال والأعمال


هذا هو الهدوء الذي ندعو إليه، ونحثُّ أنفسنا عليه، ونعتقد أنه طريق من أهم طرق الاستقرار والنجاح، وأنه سبب من أسباب الفلاح



ولكن دعوني أسئلكم، كيف تكون النفس هادئة؟ إنها مسألة مهمة في حياة البشر، وهي تبدو شديدة الصعوبة، بعيدة التحقيق في نظر كثير من الناس، بل إنَّ بعضهم قد يظنها مستحيلة التحقيق، وإننا لنسمع من يقول: أين الهدوء ؟ أين الراحة ؟ أين الاستقرار النفسي ؟ ذلك ما لا يمكن أن يصل إليه الإنسان في الدنيا
وأقول : إن الهدوء النفسي لا يُقاس بمظاهر الحياة الدنيا ذات البريق، ولا بالمال الكثير، ولا بالجاه والمنصب، ولكنه يُقاس بالإيمان واليقين، وصدق التوجّه إلى ربّ العالمين، وسلامة الصدر من الحسد وداوعيه، والبغضاء وأسبابها، ولن يتحقق ذلك إلا بقوة صلة الإنسان بربّه عبادةً، ودعاءً ورجاءً، وامتثالاً لأوامره، وانتهاءً عن نواهيه


إن هدوء النفس يُصبح سهل التحقيق، قريب المنال حينما يصبح الإنسان مدركاً لمعنى وجوده في الأرض، وسعيه في مناكبها، مطبقاً لما أمر به الدين الحقّ من الخير وحبّه وعمله، والسعي إلى نشره بين الناس، ودعم كلِّ عملٍ أو قول أو موقفٍ لنفع الناس ومصلحتهم، لأن الإنسان - في هذه الحالة - يؤكد ويقوّي وسائل الاستقرار النفسي بالانسجام بين أقواله وأفعاله وبين دواعي الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها . إنَّ كثيراً من البشر ممن نعرفهم ونعيش معهم ظنّوا أن الطريق إلى هدوء النفس إنما هو بجمع المال، والحصول على الوجاهة الاجتماعية، والشهرة والمكانة بأي وسيلةٍ ممكنة، ولكنهم - بسبب هذا الظن الخاطئ - أوغلوا في سراديب القلق والاضطراب وعدم الاستقرار وهم لا يشعرون، فلم تستقر نفوسهم، ولم تهدأ، ولم تنشرح صدورهم، حتى سمعنا قائلهم يقول: هذه الحياة نكد في نكد، وشقاء في شقاء
إنّ (هدوء النفس) لا يتحقق إلا بالإيمان بالله، وطاعته واللجوء إليه، وحسن التوكل عليه، والإحسان إلى الناس امتثالاً لأمره، وإنّ في لحظات من ذكر الله عز وجل من الراحة والهدوء ما يساوي مظاهر الدنيا وبهرجها طول الحياة.. لو فطن الغافلون
د. عبد الرحمن صالح العشماوي

No comments: