كثيراً ما يجري تذكيرنا بأن الهدف الواضح والخفي لأعدائنا يتمثل في شعار :"فرّق تسد "، ومن المؤكد أن أي تحالف أو أمة أو جماعة، لو أمكن تفكيك أوصالها إلى درجة كافية، فإنها تفقد المنعة وإرادة الانتصار، وتفشل في متابعة البقاء قيد الحياة، بعد أن تغرق في مستنقعات الشقاق والفوضى. ليس هناك من شك في فعالية شعار "فرق تسد"، لهذا دعنا نطبقه في مواجهة مشكلاتنا الشخصية، وبطريقة أكثر تحديداً. دعنا نعمل هذا الأسلوب في حقلين من أهم حقول حياتك عزيزي القارىء وأخصها في حقل صحتك الشخصية:الجسدية، والذهنية، والنفسية. وفي حقل نجاحك الشخصي في الحياة. لنبدأ بالحقل الأول.. صحتك، كثيرون سمعوا حتى الآن بالوصفة الشهيرة التي أطلقها الدكتور "وليم أوسلر" التي ملخصها ما يلي:"عش حياتك يوماً بيوم". لقد كان هذا الطبيب حكيماً عندما أردف قائلاً :"إن أعباء الغد المضافة إلى هموم الأمس المحمولة على كاهل المرء في يومه الحاضر تجعله يترنح تحت وطأة الحمل الثقيل". وهذا هو الواقع. إن إرهاق نفسك بما لا قبل لها بحمله من أحمال متنوعة في وقت واحد سوف يجعلك تنهار تحت كل هذه الأحمال التي ستسحقك جسدياً، وتدمرك ذهنياً، وتحطمك نفسياً وشعورياً. ومع كل ذلك، لايتوزع الكثير من الناس عن حمل "هموم الغد" في مخيلاتهم: فيقول أحدهم لنفسه: "ماذا علي أن أفعل في الأمر الفلاني؟" و"ماذا لو حصل كذا وكذا"؟ ولأقابل كل هؤلاء الناس؟ ولكي أذهب إلى كل هذه الأمكنة؟"... وإلى ما هنالك من تساؤلات. إنهم يعيشون يومهم الحاضر وهم يكدحون في خيالهم تحت حمل واجبات غدهم، وهكذا يضيفون إلى برنامج اليوم، ليس برنامج الغد فحسب، بل برامج ما بعد وما بعد بعده، ثم أنهم يعيدون من جديد، في يومهم الحاضر، عمل ما عملوه بالأمس. ويقول قائلهم لنفسه: "ماذا لو كنت قد قلت كذا بدلاً من كذا؟".. "حبذا لو عملت الأمر الفلاني بطريقة مختلفة ببالي كذا وكذا من قبل؟". وهكذا دواليك. إنهم بذلك يجترون، ويعيدون عمل الأمس في يومهم الحاضر، مضيفين إليه أيضاً عبء برنامج الغد الرابض على أذهانهم. لا بل إنهم لا يكتفون باجترار برنامج الأمس واسترجاعه، بل يرتكبون في أعمال ما قبل الأمس وما قبل قبله. ولكن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن عليهم القيام بحمل واجبات يومهم الحاضر، وكيف لهم النجاح في ذلك؟ بينما هم غارقون في استرجاع واجترار أعمال عدد لا يحصى من أيام عمرهم الماضية والقادمة. لا عجب بعد ذلك أن ينهار هؤلاء الناس تحت ثقل هذه الأحمال. لهذا يصف لنا الدكتور أوسلر وصفته الآنفة الذكر، التي تقول:"عش ليومك فقط". "فرق تسد". "جزّىء المشكلة وتغلب عليها". "جزىء الحمل يتيسر لك رفعه وحمله". قسّم حياتك وفقاً لرأي الدكتور أوسلر إلى أجزاء مؤلفة من أيام أو غرف منفردة. ثم أقفل أبواب الماضي المؤدية إلى غرفة اليوم الذي تعيشه.. أقفل أيضاً أبواب المستقبل إلى هذه الغرف. عش ليومك الحاضر، وليومك الحاضر فقط. عند ذلك يصبح في مواجهتك مشكلات يوم واحد ليس إلا, لكي تتغلب عليها. وأي شخص ذي قدرات عادية، قادر على مواجهة مشكلات يوم واحد! تعالوا نستمع إلى "روبرت لويس ستيفنسون" وهو يقول: (كل واحد منا يستطيع أن يحمل أعباءه مهما كانت ثقيلة، حتى هبوط الظلام.. كل واحد منا يستطيع القيام بعمله مهما كان مرهقاً سحابة يوم واحد.. كل واحد منا يستطيع أن يعيش بتلطف وصبر وتحبب ونقاء سريرة لمدة أربع وعشرين ساعة"..) ثم ضاعف عملية التجزئة لتحكم سيطرتك على كل جزئية أكثر فأكثر. قسّم كل نهار إلى واجبات مستقلة محدودة يجب عملها، وركز انتباهك على الواجب الذي تشرع بأدائه في ساعتك الحاضرة. هذا العمل فقط الذي تؤديه في اللحظة الحاضرة، لا تعد بتفكيرك إلى ما أنهيت من عمل، وخذ بنصيحة العالم النفساني "وليم جايمس" الذي يقول: (عندما تأخذ قرارك وتشرع بالعمل فلاتأبه ولا تهتم بعد ذلك بالمسؤولية عن النتيجة) ولا تفكر لوقتك الراهن في الأعمال الموجودة على قائمة الانتظار. دع كل واجب لأوانه. ولا تدع هذه الواجبات تتهيل معاً فوق رأسك كالانهيار الجليدي. دعها تمثل أمامك واحدة تلو أخرى، في غير تدافع، تماماً مثل مرور حبيبات الرمل في الساعة الرملية. وهكذا فأنت تجزّىء عمل يومك إلى مهام منفصلة متفرقة. وبالتالي فإنك تتمكن منه وتستطيع إنجازه. بذلك تحقق لنفسك الهدوء والتوازن والصفاء
ولننتقل الآن إلى الحقل الثاني.. نجاحك، لا غرو أن هذا النجاح سوف يصبح حصيلة لأنك مقتدر (جسدياً وذهنياً ونفسياً) بما فيه الكفاية لكي تعمل في جو من الارتياح واليسر والهدوء والثقة. هذا الجو الذي يتأتى عن التركيز فقط على العمل المباشر الموجود بين يديك لساعتك الحاضرة. فالذهن ليس مبلبلاً ومركوماً، لابأعمال الأمس، ولا بأعمال الغد، ولا حتى ببقية أعمال اليوم. وهو بالتالي حر طليق في المسح الشامل المجمل مجال الفكر بغية إيجاد أفضل الحلول لكل مشكلة بدورها وعلى حده دون أن يكون هناك ما يعوقه أو يثنيه عن العثور على الحل الأمثل بثقة وسرعة. هذا هو طريق النجاح. ولقد كان ذلك على الدوام طريق المفكرين بذلك سابقاً
كلٌ منا، لا بد أنه قد سمع بمقولة :"فرّق تسد"! ولكن قليلين جداً هم الذين عملوا بهذه الطريقة في حياتهم العمليّة الخاصة، وطبقوها على واجباتهم اليومية. مع ذلك، فإنهم لو لجأوا إلى هذا المبدأ لتجزئة أيامهم أولاً، ثم واجباتهم اليومية ثانياً، إذاً لما بقوا في عداد الناس العاديين، ولكان عليهم مسوحاً من وقار السكينة، ومن طمأنينة الثقة الناتجة عن التركيز، ومن النجاح الذي لا شك فيه
المصدر:أدب النجاح
م.ر.لوكمباير.
No comments:
Post a Comment