إنه من العسير، بل من المستحيل، أن تقود شخص إلى سبيل السعادة، وإنما تقتصر مساهمتك في ذلك بأن تحذره من العثرات التي قد يقع فيها خلال سعيه إليها، أو إرشاده إلى طريق من طرقها. إن السعادة تعتمد إلى حدٍ ما على الفرد، كما تعتمد على المجتمع، والواقع أنه لمن الأمر الشاق تحديد السعادة ومعرفة أسبابها؛ ذلك لأنها تتصل بنواح شخصيّة تختلف من فرد لآخر، كما أن السعادة ليست صفة في ذاتها، وإنما هي نتيجة للحياه الحسنة التنظيم، وكثيراً ما يحصل الإنسان على السعادة وهو يبحث عن شيء آخر.. وأسعد لحضات الحياه التي يشتغل المرء فيها بأداء واجبه عن التفكير فيما إذا كان قد بلغ السعاده أم لا، وخاصة إذا كان هذا الواجب ينطوي على خدمة للآخرين
إن السعادة تعتمد إلى حدٍ ما على الفرد، كما تعتمد على المجتمع الذي يعيش فيه، والمرء الذي يحيا في مجتمع سعيد تُتاح له فرص لبلوغ السعادة أكثر مما يُتاح لفرد يحيا في مجتمع شقي، ومن ناحية أخرى، نجد أنه في وسع مجموعة محدودة من الأفراد المتقدمين في التفكير أن يخلقوا أمّة سعيده. وإذا أردنا السعادة الاجتماعية أو الأهليّة، فيجب أن يكون هدفنا إلغاء العوز، وإتاحة تكافؤ الفرص للجميع، وأن نضمن تنضيم المجتمعات نفسها للوسائل التي تمكّن الفرد من النضج إلى أقصى حد ممكن
يجب أن يكون هدفنا الاجتماعي، أن نوفر لكل فرد مادة الحياة الصحيحة، دون أن نقضي على شخصيته المفردة، كما يجب أن نسعى لإلغاء الفقر والشقاء ونحارب الأعمال الضارة بالمجتمع عن طريق التحليل الصحيح للبواعث النفسية التي تخلق هذه الشرور. إن البعض يبحث عن السعادة عن طريق القلب .. والبعض الآخر عن طريق العقل.. فهؤلاء يتبعون سبيل العاطفة، وأولئك يميلون إلى الأبحاث العقليّة، وليس في وسع أحد أن يرجح سلوك هذه الطريق أو تلك، فالأمر لا يتوقف على الطريق ذاتها فحسب، وإنما يعتمد على تكوين الشخص الذي يسلكه، وكل ما يمكننا أن نقوله في هذا السبيل، أن أغلبية الناس ترى أن السعاده المثاليّه هي تلك الحالة التي تحقق مطالب القلب والعقل معاً.. فهل يمكن الوصول إذن إلى السعاده ؟ إن الجواب هنا قطعاً ( نعم ) .. ولا يستطيع واحد من الناس أن يتأكد من قدر السعادة أو نوعها، ولكن يمكن للجميع أن يتقاسموا هذا الكنز. وكثيراً ما تأتي السعادة نتيجة لأعمال وخدمات لا تهدف إليها مباشرة وقد أوصى "جاليليو" من ينشد السعادة بالقيام بخدمات لا أنانيّة فيها قائلاً : إنني بينكم فرد يخدم.. هذه كلها علامات مميزة في طريق السعاده.. فيجب أن لا ندع رغباتنا تسبّب لنا قلقاً ذهنياً.. وإنما علينا أن نسعى للقيام بأعمال عظيمة.. وأن نؤدي واجبنا اليومي بما يرضي ضمائرنا.. وأن نخدم الآخرين
لقد سعى الناس منذ قديم الأزل ليتحقق وجود عالم الحق والخير والجمال.. وقد بقيت هذه المُثل دائما ًغاية ما ترنو إليها الإنسانية.. وقد وصل الإنسان إلى نجم السعادة وهو يسعى لإحقاق هذه المُثل وهي المُثل التي تنطوي على الأخوّه وخدمة الغير.. إن الحق من بين اللاليء المتالقة في تاج السعادة، وهل يمكننا أن نبلغ السعادة الكاملة دون أن نضيف عاملي الخير والجمال إلى عامل الحق؟ إن الجمال شعور داخلي، مثلما هو منظر خارجي، والجمال يكمن في عين الناظر، ولا يمكن أن يحرم الجمال شخص يسعى للكمال.. فلنسع إذن لبلوغ السعادة.. ولنصحب الحق والجمال والخير في طريقنا.. حتى نجني ثمار سعينا
إن السعاده كما يراها المفكر "روبرت هيب" عندما قال: كلنا نتمنى السعادة والسلام، وماذا عسانا أن نتمنى أكثر؟ ولماذا نرضى باقل ؟ ولقد يشك في إمكان الفوز بالسلام دون السعادة، أو بالسعاده دون السلام، فالسؤال الهام إذاً : كيف ينال أحدهما أو كلاهما جميعاً ؟ المال لا يسعدنا،النجاح لا يسعدنا، الأصدقاء لا تسعدنا ، ولا الصحة ولا القوة تسعداننا.. أجل، جميع هذه الأمور تدعو إلى السعادة، ولكن أينا يبلغ إليها .. ويكفل الرتوع في بحبوحة بركاتها قد نجد في الحياة فرصاً .. فننال صيتاً طائراً .. وصحة وعافية ومالاً طائلاً .. وعمراً طويلاً .. إلا أنّ يدها تقصّرعن إسعادنا .. نعم، إن سعادتنا لنا.. وعلينا .. إنما نحن مختلفون أحوالاً وحالات .. ومتفاوتون أعماراً .. ومتباينون واجبات ومكتسبات .. بحيث قد يخال وضع الأصول والقواعد ضرباً من المُحال .. ويُعد مجرّد النصح والاشارة تهجما ًوجسارة مع أن " فارو" سبق فأتى أهل زمانه بمئات الآراء من آراء الفلاسفة في السعادة .. وحسبنا أن نعتبر بتجارب المتقدمين في سبيل الحياة من الرجال والنساء، فالتجارب هي أكبر البراهين .. بل اعتبر بآخر ما فاه به "ثيودور باركر" وهو على فراش الموت مع أنه عاش مفعم الصدر حكمة ومعرفه حين قال: اواه، حبذا لو كنت عرفت فن الحياة أو وجدت كتاباً، أو إنسانا يعلمني كيف كان يجب أن أعيش، وأدرس، وأروض بدني ونفسي
ومما يؤثر عن أهل أثينا القدماء، ًاتباعهم لسنة كانوا بموجبها يُعاقبون بالقتل، كلّ من حمل شمعة ومنع غيره الاقتباس من نارها .. فحلال إذا أن نقتبس ممّن عنده نوراً يضيء به ظلمات قلوبنا ونفوسنا.. وقال " مكس مللر " : إنها لخطيئة حقيقيّة ألا يكون المرء سعيداً .. فلنذكر قوله هذا .. وقول " باسكال " التالي : فلنعرف إذا حدّنا وغاية جهدنا .. أجل، إننا شيء ما في هذا الوجود، ولكننا لسنا كلّ شيء.. ولا أهم من أن نرسخ في نفوسنا تصوراً عادلاً عن هذه الحياة لكي لا تقلقنا صروف الدهر وتقلباته، ولنكون مستعدين لمقابلة أي وجه تديره لنا الأيام .. ثابتين تجاه الافلاح و الحبوط أمام الظفر والفشل، على الخوف والأمل في الصحة والسقام والمسرّات والآلام .. وفي الأفراح والأحزان ولدى التذكرات الحلوة و المرّه، ولقد قال " شيلدون " : طالما أنت على هذه الأرض، تمتّع بما فيها من الصالحات لأنها لأجل ذالك خُلقت .. ولا تكتئب .. ولا تبتئس .. بل أحسب نفسك في السماء .. والذين لا يعرفون قيمة الحياه لا شكّ أنهم لا يستحقونها، ولعل ضبط النفس أهم ما ينبغي في ابتغاء السعادة .. أجل .. كل فرد مملوك ومحكوم عليه على حين الأفضل أن يحكم الإنسان نفسه ويملكها ليحتفظ بكرامته بدل أن يملكها ويحكمها غيره
No comments:
Post a Comment