Apr 21, 2008

أقصر الطرق المؤدية إلى التعاسة





إن "شوبنهاور"، فيلسوف الويل والثبور، قد أرسى لنا القاعدة لواحدة، على الأقل، من أساليب قبول الناس للسعادة عندما قال:" قلّما يفكر الناس فيما يمتلكون من نعم.. لكنهم دائموا التفكير في كل ما ينقصهم ". إن أسهل الطرق إلى التعاسة هي أن نمضي سحابة حياتنا كلها، أو يوماً واحداً، أو ساعة، أو حتى دقيقة واحدة منها، ونحن نتندم على ما ما ليس في حوزتنا. لا بل إنها أقصر الطرق المؤدية إلى التعاسة أيضاً.. لأن ذلك هو دائماً أمر متيسر لكل واحد من رام ذلك. والمادة اللازمة مطروحة ووفيرة، فكل واحد منا، بالغاً ما بلغ به من الحظ والنجاح، قادر، إذا شاء، أن ينغص نفسه بالتفكير بعدد لاحصر له من الأشياء التي يرغب في امتلاكها وتحقيقها لنفسه، دون أن يكون ذلك متوفراً له في الواقع. وهكذا، لو أننا اخترنا، لتحقق لنا أن نصرف العمر كله ونحن نقاسي مرارة التندم، مثلما يتحقق لنا في هذا الأمر وقتاً أقل من ذلك، ذلك أن الاختيار في النهاية هو في متناول أيدينا. لكن من منا يرغب حقاً في إتعاس نفسه ؟ هل هذا هو حقاً ما تريده عزيزي القارىء؟ إذا كان الأمر كذلك! فما عليك سوى أن تهرع بسرعة الى أقرب عيادة للطب النفساني


إن الأفكار المتندمة على الأشياء التي لا نملكها، ليست هي أسهل الطرق لفقدان السعادة فحسب، بل هي أيضاً السبب الأوحد للتعاسة التي يمكن محوها بكل سهولة. وهكذا، وبما أن معظمنا يمتلك هذه العادة السيئة بدرجة أو بأخرى، دعونا الآن نتلمس الطريق إلى هذا العلاج البسيط. قلّص رغباتك، حدّد هذه الرغبات لتحصر نطاقها، فقط، في ما هو ضرورة ماسّة للحياة. كن متيقظاً، وشديد الإيمان في قناعتك، أنك لا ترغب فعلاً، ولا تريد فعلاً، سوى الأشياء الأساسية الضرورية لك، والتي هي في النهاية إما ملك يديك في الحقيقة والواقع، أو أنها سهلة المنال. إن "إدي ريكنبلر" ورفاقه قضوا واحداً وعشرين يوماً من حياة كل منهم، وهم هائمون على وجوههم، بلا أمل، على صفحة المحيط الهادىء، فوق قوارب النجاة. وعندما سئل الرجل عن أكبر درس تعلمه، من هذا العذاب، ومن هذه التجربة المريرة في حياته، فإنه قال : " إذا تيسر لك كل الماء العذب الذي تحتاجه للشرب، وكل الطعام الذي تحتاجه للقوت.. فليس يحق لك. والحال كذلك، أن تشتكي من أي أمر". هل يعني ذلك أن عليك أن تكتفي من الحياة بما لا بد منه من شراب وطعام، لإطفاء الضمأ وسد الرمق؟ بالتأكيد لا.. لكنه يعني أن بإمكانك اجتناب التعاسة، والحصول على السعادة، عن طريق اختصار لائحة المقومات الأساسية، لحياة قانعة سعيدة، إلى أقل الأشياء الضرورية لذلك وأبسطها. ثم بعد ذلك: يكون كل ما يفوق أشياء هذه اللائحة : قيمة إضافية تضيفها إلى أسباب سعادتك


إن الأمر هو في هذه البساطة واقعاً وفعلاً.. هكذا تستطيع أن تتقدم في الحياة فيما أنت تضيف إلى أسباب سعادتك شيئاً جديداً، وربما أشياء كثيرة جديدة، يوماً بعد يوم.. فكل شيء جديد تحصل عليه- مهما كان قليل الشأن- سينضاف إلى أسباب سعادتك.. وهكذا تتعاظم سعادتك وتنمو.. لأنك لا تكون قد امتلكت أساسيات السعادة التي وطنت نفسك عليها فحسب، بل تكون قد حصلت في واقع الأمر : على أسباب إضافية للسعادة، وقد تم لك اكتسابها لتحسين أوضاعك ورفع شأن نفسك بعيداً من الضغوطات المنغّصة التي يخلقها الشعور الماس بالحاجة، ثم رسخ شعورك بالسعادة، الناتجة عن سخاء الحياة عليك، برسم هذه الصورة السعيدة على محياك، عبّر عن شخصيتك السعيدة هذه من خلال الشعور بالشكر والامتنان للحياة.. سلّط الضوء على النعم التي حباك الله بها، لا على رغباتك التي لم يجر تحقيقها وإشباعها


تذكر نعم الله عليك.. بترسيخ صورة ذهنية وعاطفية تضفي على شخصيتك إشعاع الفرح بالحياة ذاتها


تذكر نعم الله عليك.. لأن علماء النفس يعتبرون ذلك أسهل وأفعل وأقصر طريقة لعلاج العقل والنفس والجسد معاً


تذكر نعم الله.. – ليس عندما تأوي إلى الفراش، أو تنهض من النوم فحسب – بل في خلال السوانح القصيرة الكثيرة التي تُتاح لك في كل يوم تعيشه


تذكر نعم الله عليك.. وكن حامداً شاكراً من أعماقك له عليها، بل كن مصدراً مشعّاً للسعادة بسبب هذه النعم


تذكر نعم الله.. بكل شكر وامتنان، لأن هذه النعم إنما هي هبات إلهية أهدتها الحياة إليك



م.ر.كوبماير

No comments: