Apr 14, 2008

مارك توين.. والذاكرة البصرية



إن اكتشاف "مارك توين" طريقة استخدام ذاكرته البصرية، مكنّه من تناسي المذاكرات التي عرقلت خطبه عدة أعوام. وإليك قصته كما رواها على صفحات مجلة (هاربرز). إنه لمن الصعوبة بمكان أن تتذكر التواريخ، لأنها تحتوي على أرقام، والأرقام جامدة، شكلها لايلفت النظر، ولا تعلق بالذاكرة، وهي لا تكون صوراً، ولذا، فهي لا تتيح للعين فرصة اقتناصها، في حين أن الصور تثبت الأرقام، بل تستطيع أن تثبت كل شيء تقريباً ـ وبخاصة إن رسمت أنت الصور بنفسك، والواقع أن هذه هي النقطة الجوهرية ـ ولذا يجب أن ترسم أنت الصورة، فقد عرفت ذلك بالتجربة، فقد كنت منذ ثلاثين عاماً ألقي محاضرة كل ليلة عن ظهر قلب، فكان لا بد لي كل ليلة أن أستعين بمذكرات تملأ صفحات كاملة، حتى لا يختلط علي الأمر. وكانت هذه المذكرات عبارة عن بدايات الجمل، وكان عددها إحدى عشرة جملة، جرت على الوجه التالي: الطقس في ذلك الإقليم... جرت العادة في ذلك الوقت... ولكن لم يسمع أحد في كاليفورنيا أن... إحدى عشرة جملة من هذا الطراز، يتكون منها ملخص المحاضرة لتقيني القفزات، ولكنها كانت تبدو كلها أمامي متشابهة على الصحيفة، لم تكن ممثلة في صورة، وكنت أحفظها عن ظهر قلب، ولكني لم أستطع أن أحفظها متتابعة، ولذلك كنت أحتفظ بهذه المذكرات دائماً بالقرب مني، فألقى عليها نظرة كل لحظة قصيرة، وقد حدث مرة أن افتقدتها، ولا تتخيل مدى المخاوف التي انتابتني في ذلك المساء، حتى أنني أفكر الآن في ضرورة الكشف عن وسيلة أخرى غير المذكرات. ولذلك حفظت عن ظهر قلب الحروف الأولى لثلاث جمل مرتبة ترتيباً متتالياً مثل ك، ج، ل.. وهكذا. وتقدمت إلى المنصة في الليلة التالية، ومعي هذه الحروف مكتوبة بالمداد على أظاهر أصابعي العشرة، ولكنها لم تستجب لي، وظللت أتتبع أصابعي برهة، ثم ضللت طريقي إليها. وبعدئذٍ، لم يتيسر لي التأكد من آخر إصبع استخدمت الحرف المكتوب عليه، كما أنني لم أستطع أن أزيل الحرف عقب استخدامه، وبقيت برهة واثقاً من توفيقي، ولكن ذلك سبّب لي أيضاً كثيراً من حب الاستطلاع والفضول. أما بالنسبة لجمهور المستمعين، فقد حسبوا أن اهتمامي بأظافري كان أعظم من اهتمامي بموضوع المحاضرة. ولقد سألني شخص أو إثنان فيما بعد عن سبب اهتمامي بيدي. ومن ذلك الحين طرأت على ذهني فكرة الصور، وبذلك انتهت متاعبي، وقد استطعت عمل ست صور بقلمي خلال دقيقتين، حلّت محل الجمل الإحدى عشرة وأدت عملها على الوجه الأكمل. وسرعان ما ألقيت بهذه الصور بعد الفراغ من عملها، لأنني كنت واثقاً من قدرتي على إغلاق عيني وتخيل هذه الصورة وقتما أريد... لقد حدث هذا منذ ربع قرن، وقد أمحت المحاضرة من ذهني منذ أكثر من عشرين عاماً، ولكني ظللت قادراً على كتابتها ثانية من الصور التي بيت عالقة بذاكرتي



دايل كارنيجي

No comments: