ينتصر الغرب بتفوقه في صناعة (الأشياء)، وفي طرائق التعامل معها، أما الشرق فقد جرّب أن ينتصر أكثر من مرة بتفوقه في الإنتماء إلى المبادىء وفي طرائق التعامل معها.. وقد انتصر فعلاً. ليس ثمة تقسيم محتوم لجغرافية العالم إلى أصقاع وأقاليم بعضها يبدع الأشياء وبعضها يبدع القيم.. فكم طلع الغرب علينا بقيم ومذاهب لسنا في مجال تقييمها والحكم على ما فيها من خطأ أو صواب.. وكم طلع الشرق على العالم بأشياء وكشوفات مادية أضافت إلى رصيد المدينة البشرية الكثير والكثير... نعم ليس ثمة تقسيم محتوم.. ولكن استقراء التاريخ يمنحنا مؤشرات شاملة، وخطوطاً عريضة تصبغ المساحة الأكبر من هذا الجانب أو ذاك.. وإحدى هذه الخطوط هي أن الغرب الحديث إذا كان قد تفوق في صناعة الأشياء، فإن الشرق لا يزال يملك وحده القدرة على بعث المبادىء، والتفوق في الإنتماء إليها والتوحد معها. والأمم التي لا تتعلم من تجربة التاريخ، مم تتعلم؟ إنه إذ يتوجب علينا اليوم أن نلاحق الغرب في صناعة الأشياء كتحدٍ لا مفر من مجابهته إذا أردنا أن نحقق وجودنا في هذا العالم، وأن نتجاوز وصاية الغرب الحضارية، فإن مما يتوجب علينا أكثر هو أن نعرف بوضوح كامل أنه ليس بالأشياء سنوازي المسيرة الغربية ونسبقها.. لأن الفارق الزمني في سباق المدنيات حاجز صعب الاجتياز.. أما في سباق الحضارات، حيث تلعب الروح والقيم والأفكار، والمطامح الإنسانية، والعقائد، دوراً كبيراً، فإن الأمر ليس مستحيلاً.. ولقد تحقق أكثر من مرة.. لكأن الغرب نفسه، يشير إلينا، بل يتوسل بنا، أن نشمر عن ساعة الجد لا لكي نصنع ثلاجة أوسيارة، ولكن لكي نبعث قيمة، ونرسم مبدأ، ونطلع على العالم بعقيدة.. فها هنا تكمن قدرتنا الذاتية على التمييز والتفوق.. والتأثير.. ها هنا تكمن خصوصيتنا.. وريادتنا
د.عماد الدين خليل
No comments:
Post a Comment