الأماني، هي آمال يتطلع الإنسان إليها ويتمنى أن تتحقق في عالم الواقع، وقد تتحقق وقد لا تتحقق، لأنها – كما في الإسلام - معلقة بشرط ومشيئة، فالشرط هو العمل لأجل الوصول إليها بكل الأسباب المتاحة.. والمشيئة هي إرادة الله للشيء أن يكون . . ومن أعجب ما ذكر القرآن الكريم من الأماني، أماني المؤمنين الذين وثقّوا صلتهم بالله، وأيقنوا برحمته وفضله وقدرته.. فكان لهم ما تمنوا حيناًً، وشاء الله غيرها حيناً آخر
فهذا زكريا عليه السلام النبي الذي بلغ من الكبر عتيا وكانت امرأته عاقراً، لم يرد أن يخرج من الدنيا دون أن يبقى له أثر ويتمتع بنعمة الذرية الصالحة.. وعلى رغم ظروفه التي يعاني منها هو وزوجه.. غير أن الأمنية تمتلك عليه فؤاده، ويدعو غير يائس ولا قانط ليهبه الله تعالى ما حُرم منه ، " ذكرُ رحمةِ ربكَ عبدهُ زكريا، إذ نادى ربهُ نداءً خفياً....... إلى قوله سبحانه .. ولم تكُ شيئا " . وهذا إبراهيم عليه السلام يدعو ويتمنى أمنية عريضة عندما يستشعر نعم الله تعالى عليه " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماماً " فتنطلق الأمنية : " ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين ".. إن مواهب الكريم المنّان لا تُعطى بالأحساب والأنساب، لكنها تُعطى للمؤمنين الجادين : " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " . وهذا يوسف الكريم ابن الكريم، تتعرض له ربة القصر وتعرض عليه مفاتنها وتُؤمنه وهو الغلام الفتى والشاب اليافع، فيرفض.. فتُحاك له المؤامرة مرة أخرى من نساء القوم.. فيتمنى أمنية عجيبة " ربِ السجنُ أحب إلي مما يدعونني إليه "!! ويشاء الله تعالى اختبار هذه الأمنية فيحققها له فلا يجده إلا شاكراً. وهذه مريم العذراء عليها السلام، تُمنح معجزة عظيمة لم تسبقها إليها أحداً من نساء العالمين.. فتحمل نبياً من أنبياء الله بكلمة من الله ودون أن يمسها بشر، لكنها – وبعد أن وضعت وشعرت بما قد يقوله اليهود عنها، وهي الشريفة العفيفة الطاهرة - تمنت أمنية عجيبة.. تفتقدها نساء الفضيحة والعري في زماننا هذا : " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا "، إنه الحياء .. إنها العفة.. وهكذا تكون الحرة
وفي مقابل أماني المؤمنين في الدنيا، يعرض القرآن الكريم أماني الكافرين والضالين والظلمة عند الوفاة وعند الحشر وفي النار..!! لأن أمانيهم في الدنيا غير مستعجبة ولا مستنكرة، لكن المستعجب أن تتحول هذه الأماني في الآخرة إلى النقيض تماماً ، فبعد التمتع والانغماس في الشهوات يتمنى الغافل عند الموت : " رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت " لكن وللأسف ويا للأماني الفائتة : " كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " ، ويقوم الناس للحشر وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنَّى له الذكرى يقول : " يا ليتني قدمت لحياتي"!! لكنها أماني الوقت الضائع
ويري الكافر بأم عينه الحساب ودقته، والقصاص وعدله في الحيوانات، والتي تُحال بعد هذا إلى تراب فلا جنة لها ولا نار، لأنها لم تكن تعقل.. حينها يتمنى الكافر، "ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا " . وتتوالى على الكافر والظالم الأمنيات (المعذِّبة).. أمنيات الحسرة والأسى.. وتتطاير الكتب، فآخذٌ بيمينه، وآخذٌ بشماله، وآخذ ٌمن وراء ظهره، ولا حاجة للظالمين والكافرين في فتح سجلاتهم.. فهم يدركون بعض ما يكفي منها لورود النار، وتكون أمنية الواحد منهم "يا ليتني لم أوت كتابية، ولم أدر ما حسابية " ولا تتوقف الأمنية عند هذا الحد: " يا ليتها كانت القاضية "!! – أي الموتة الأخرى
وتنقطع العلاقة الحبيبة عند الحساب، ويبرأ الأخلاء من بعضهم – إلا المتقين - ويقول الظالم : " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا "، َويتوجه إلى صاحبه الذي كان يلازمه ويستأنس به في متع الحياة وقضاء الأوطار بأمنية عجيبة "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين " وتتحول سخريتهم بالدين وأهله، وبطاعة الله واتباع رسوله في النار إلى أعز أماني الكفرة والظالمين : " يوم تُقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول"!! ولكن ولات حين استجابة
إنها لو تتأملها ستكون أعجب الأماني
No comments:
Post a Comment