هل تشعر بهموم غامضة تدفعك إلى الاكتئاب والسلبية، وتحاول التخلص منها بشتى الوسائل فتنجح وتفشل؟ هذه الهموم التي تقتحم أحدنا بلا سبب واضح مباشر، هل هي موجات عاديّة مثل تحوّلات الطقس؟ أم أنها حالة لها أسبابها التي يمكن علاجها أو التخفيف منها على الأقل؟ هل يمكن لأحدنا أن يعالج نفسه بنفسه ؟ بالطبع فالإنسان طبيب نفسه، وهو الأعرف بآلامه ومشكلاته والأقدر على تشخيص الأسباب، ولكنه يمكن أيضاً أن يسلك في وسائل تزيد المشكلة، وقد تتحوّل الهموم العارضة إلى اكتئاب، ويتحوّل العلاج نفسه إلى مشكلة أكبر
هناك مصادر معروفة وتقليدية للهموم والاكتئاب مثل وفاة قريب أو صديق عزيز، أو إخفاق في الحياة والعمل، أو مرض، وبعضها وإن كان غامضاً غير معروف السبب فإنها أيضاً طبيعية، ولكن المشكلة عندما لا يستطيع الإنسان أن يخرج من هذه النوبات التقليدية للهموم، أو عندما يخرج منها بحالة أسوأ، وربما يكون الأخطر من ذلك عندما يكون يعاني من حالة اكتئاب مرضية وهو لا يشعر بأنه مريض، بل يظن أن هذه الأعراض هي حالة إيجابية، مثل الشعور بالسخط والتذمر والنقد الدائم وعدم القدرة على العمل الجماعي وتقبل الآخرين وآرائهم وأفكارهم، وهو يظن بذلك أنه أفضل من الناس أو في الوصف الشائع على سبيل المدح "لا يطيق العوج"، وفي الحقيقة أنه الأعوج وبحاجة إلى علاج. فقد يؤدي الاستمرار في هذه الحالة إلى الفشل في مواصلة الحياة بشكل طبيعي وتكوين علاقات في الأسرة والعمل والمجتمع وعجز عن رؤية الذات وفهمها، ونلاحظ من القصص والحالات التي نعرفها أن هؤلاء المساكين الذين يعيشون في الأرصفة، ويتسولون الناس يشعرون بأنهم أفضل المخلوقات، وقد يؤدي الاكتئاب إلى خلل صحي واضطرابات في النوم والطعام وشعور بالخوف والقلق وعدم ثقة بالنفس وشجار دائم مع الناس، أو حالة من السلبية واللامبالاة، وقد يدفع ذلك إلى الكحول والمخدرات والقمار والهروب المتواصل من الذات. ويفضل الناس عادة مواجهة الهموم بالهروب منها ونسيانها بالزيارات والتسلية والترفيه أو بالقراءة والمطالعة، أو بالصلاة والتلاوة والذكر، ولكن آخرين يفضلون معايشتها والاستغراق في عزلة صامتة للتأمل والتفكير العميق ثم يجدون مع التدريب والزمن متعة كبيرة في تحويل الهموم إلى مصدر للتعلم الذاتي، فالصمت والتأمل مورد هائل للمعرفة والعمل والعلاج ومصدر لطاقة عظيمة في التغيير والإصلاح، وقد يكون الانقباض سببه عضوي كيميائي مثل نقص بعض المواد الضرورية للجسم، وبالطبع فهناك هموم لا يحلها غير النقود، فإذا كنت مهموماً بإيجار البيت أو قسط المدرسة أو كمبيالة فلن يفيد علاج الهموم بكل الوسائل، ولكن في جميع الأحوال فإن نمط الحياة وثقافة السلوك الاجتماعي والأخلاقي يمكن أن ينظم الإنسان بها حياته وعلاقاته على النحو الذي يحقق الرضا والسعادة، فهي أولاً وآخراً مسألة أسلوب حياة وثقافة، وراحة الضمير مصدر للسعادة والرضا، والشعور بالذنب والتقصير والخطأ يثقل على الإنسان، ولا علاج إلاّ بإصلاح الخطأ
نحتاج أن نعرف أولاً : هل نحن كئيبون أم لا ؟! ولكن يجب عدم المبالغة في تقدير المشكلات، كما أن بعض حالات القلق والتوتر هي مصادر إيجابية للإبداع والتفوق، وبعامة فإن الملاحظة العامة للذات تقدم فرصة للشعور بالخطأ ومحاولة العلاج، ومن الأعراض التي يجب الانتباه إليها وملاحظتها: الشعور بالإحباط والملل، وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، واضطرابات في النوم، وقد تكون في صورة صعوبة في النوم أو كثرته، وفقدان الشهية للأكل أو الإفراط في الأكل بشراهة، والشعور بالتعب من أي مجهود، وصعوبة في التركيز والتذكر واتخاذ القرارات، ونظرة تشاؤمية للماضي والحاضر والمستقبل، والتفكير في إيذاء النفس أو المحيطين كالانتحار أو القتل، والشعور بالذنب الدائم أو العصبية الدائمة
ومن الحالات التي تدفع إلى الاكتئاب : الاستياء والسخط وعدم الرضا، والمقارنة الدائمة مع الآخرين والانشغال بهم أكثر من الذات، وفي التراث الشعبي: من راقب الناس مات هماً، ومواجهة الخطأ والتقصير بالمبالغة في لوم الذات وتأنيبها بدلاً من توجيهها إلى إعادة المحاولة والتصحيح، وعدم تقدير الذات والصورة الهزلية للنفس والمشاعر الدونية، وفقدان الأمل في حل مشكلة، أو الشعور بأن المشكلة قدر قاهر لا رادّ له، وعدم القدرة على التعايش مع المشكلة وتقبّلها
وقد يختلف الرجل عن المرأة في التعامل مع الهموم وملاحظتها، فالرجل عادة يبحث عمّن يلومه إذا ما شعر بالاكتئاب، ويتحول إلى عدائي منفعل، وقد ينصرف إلى الرياضة والترفيه، ويخجل من التعبير عن الإفصاح بشعوره الاكتئابي، ويعبّر عن خوفه من المشكلة بعدم الاعتراف بها، وأما المرأة فهي تلوم نفسها، وتحتفظ بمشاعرها وتدفنها، وتنصرف إلى العمل، ولكنها يمكن أن تنهار في أية لحظة. الشعور بأن الاكتئاب خطأ أو مرض يشكّل بداية للحل والمواجهة، وربما يكون متعذراً منع الهموم والكآبة ولكن المواجهة والعلاج أمر ممكن، ولكن الأسوأ من الاكتئاب هو ما يمكن أن يؤدي إليه من تدمير للذات والمجتمع والموارد
No comments:
Post a Comment