(4-1)
ما أن يودع المرء براءة الطفولة، ونقاوة الفطرة، حتى يرى نفسه يسبح في بحر غير البحر الذي كان يسبح فيه بالأمس القريب، وما أن يرتدي قبعة القبطان في سفينته، حتى يبتسم ابتسامة الثقة وينظر بنظرة الشفقة على تلك المراكب الغارقة....!!! فكم من ربان ما فتئ يبكي سفينته على شواطئ البحر... !! وكم من بحّار غرق مع سفينته فما تسنى له بكاء سفينته، وقليل من أولئك الربان ممن نجح في أن يرسوا بسُفنهم لبرّ السلام.....!! وإن من أشد البحَارِ قسوة هو بحر الحُب، بحرُ يسحر القلب، و يسلب العقل، ويقتل المشاعر، ويغرق المحب في ظلمات لا تعرف النور أبداً، قال تعالى : أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ، وما كان مجنون ليلى ليجن لولا غرقه في هذا البحر، وما كان لامرأة العزيز أن تنزل من قدرها وتسأل نبيا من أنبياء الله الفحشاء عَلَنَا جهارا ، لولا وقوعها في ظلمات هذا البحر، ولعلي أستغني عن ذكر ضحايا هذا البحر لكثرة المبحرين فيه ، ومنْ يدري فقد يكون هناك ممن ما زال يصارع ويعارك حتى لا يغرق ، ولكن هيهات ... هيهات
لقد تفنن الكتّاب والشعراء والأدباء في وصف الحُب وحَدِّه (تعريفه)، ولكن ما لا يختلف عليه اثنان أن الحُب سلاح ذو حدين ، كلا الحدين فيه من الحِدة ما تكفي لتجعل النفس تفضل عذاب جهنم الأبدي على عذاب هذا السلاح القاسي، الذي لا يرحم مَن أصبح مِن عَبَدة تمثاله، ولا يشفق على من وقع تحت سلطان قضائه.....!! والفطرة بطبيعتها تطلب السباحة في هذا البحر لا شعورياً ، على الرغم من علمها اليقيني من خطورة ما تنشده، فقد تهيم امرأة برجل فقط لمظهره، وقد يغرم رجل بامرأة لصوتها.. وهذا الهيام والغرام قد يكون في بداية الأمر تحت سيطرة الواقع فيه ولكن غدارة البحر ما تلبث أن تفتك بصاحبها فيصبح مدمنٌ لذلك الهيام والغرام إلى ما شاء الله ....!! وإذا كان هذا الحب فطرة فطر الله الناس عليها ، فلماذا تكثر القوانين للتحكم به، و يُسدل ألف ستار لتغطيته ، ويخلق ألف مرادف ومرادف له، فتحولت الفطرة إلى عار في نظر البعض، وإلى فسق ومجون في نظر آخرين، وإلى سمو حضارة ورقي فكر في نظر شريحة لا بأس بها من المجتمع، وإلى حق مسلوب وحرية منهوبة في نظر شريحة أخرى....؟؟؟
في المقال القادم - إن شاء الله - سأكتب لكم كيف تكون مجريات أغلب قصص الحب البشري ... تابعوني غداً
No comments:
Post a Comment