Mar 1, 2008

لتكــن حياتك نابضــة بالحركة


لقد إتضح أن حاجاتنا إلى الإتصال بالناس وتكوين علاقات طيبة معهم، ضرورة من ضرورات الحياة... وإن إضعاف هذه الصلة، وتوهين العلاقات، نوع من إضعاف روابط الحياة، فالحياة تنبض بالحركة، وقطع الروابط التي اربطنا بالمجتمع النابض معناه إقلال - أو إيقاف - الحركة والحياة. وفي الوقت نفسه، إن قطع تلك الروابط ينفي حاجاتنا إلى العناية بالمظهر من إكتساء وتزيين... فنقول إذ ذاك مثلاً: ما الحاجة إلى المظهر؟ وما الحاجة إلى التمشيط أو الحلاقة ؟ إننا لن نقابل أحدا تهمنا مقابلته، ولا يهمنا إن رضي الناس عنّا أو لم يرضوا.. وللسبب نفسه يخاف بعض الناس أن يُحال على التقاعد، فهو لا يخاف على التقاعد، لأن مورد عيشه سينسد، ولكنه يخاف الركود من بعد الحركة، والضعف من بعد قوة، وجمود الفكرة بعد نشاط.. والمعلمة، أو الموظفة إنما تُضحي براحة أطفالها وراحتها العائلية ولا تضحي بوظيفتها - ليس في سبيل راتب بسيط تصرف جُله أو كله في شراء الملابس والكماليات - ولكن لأن الجو المدرسي أو الوظيفي ينبض بالحياة والحركة... وهو جو أوسع من جوها المنزلي الذي كانت قد عجزت عن توسيعه... ولا عجب في ذلك، فإن البيت لا ينبض بالحياة دون جهدا منها كبير، وفن من ذوقها رفيع، وإيجاد للمناسبات المفرحة حين لا توجد مناسبات، وإبتكار للصلات الجديدة مع القريب والبعيد... وباختصار، لكي تجعل الجو البيتي منعشاً و يلزمها أن تقلب روتين الطبخ وتربية الأطفال إلى فنون يسودها التجدد والإبتكار المتواصلين، بينما هي لا تحتاج إلى كل هذا الجهد في حالة الوظيفة، ولا يلزمها، للدخول في حركة الحياة، سوى مغادرة البيت والدخول في ذلك الجو. ومع هذا فإن الروابط والعلاقات الإجتماعية ينبغي أن يسودها الإسلوب الناجح، إن أردنا أن نكون سادة المواقف من غير تكبر، ومتواضعين من غير خضوع أو ذلة
ولكي يكون هدفنا من الإسلوب الناجح مثمراً يحسن أن نخطط له في ناحيتين: ناحية الفرج من حيث هو جسم ونفس، والأمور التي تخص جسمه ونفسه. ومن ناحية علاقاته وصلاته بالمجتمع والبيئة. ففي الناحية الفردية أولاً : علينا أن نتقبل إمكاناتنا المحدودة التي صاحبت كياننا ولازمته كظله... لنضع النفس عند حدودها، فلا نتوقع منها أن تعمل المستحيل والمعجزات، بل لنستفد من القابليات المتوفرة لدينا، وهذا لا يمنع من توسيع تلك القابليات قدر المستطاع. ثانيا : المتواضع هو الذي لا يعتد بنفسه، ويعترف بمحدوية إمكاناته... ولا نقصد بذلك أن نضع أنفسنا في منزلة أدنى من قدراتها، فذلك تقصير بحقها يجعل من لا يستحقون – من عديمي الكفاءات – يحتلون محلها... نضعها من حيث لا نغتر بها ولا نرى أن النجاح مضمون... وبذلك يأتينا النجاح مفاجأة سارة جداً. أما المتكبر، الذي يضع نفسه فوق إمكانياتها، فإن الفشل يأتيه مباغتة مؤلمة جداً، فيصطدم بشدة كما تصطدم السيارة بعثرة غير متوقعة... التواضع يرفع الشخصية، أو كما قال الحكيم الصيني "لاو-تسي" : (إن الأنهار والبحار تستقبل مياه الجداول الصغيرة والسبب أن هذه الجداول رضيت أن تبقى تابعة). وبعبارة أخرى، فنصيحة الحكيم الصيني لمن يرغب بأن يكون فوق الناس هي: أن يضع نفسه في منزلة أدنى من منزلتهم، وفي هذه الحال – حين يصبح مكانه فوقهم – لا يشعرون بثقله... ثالثا: السعادة لا تأتي من كمية ما نملك، بل من القدرة على تثمين وتذوق ما نملك... فقد نجد بسهولة، عدداً من الناس في الستين من العمر، وقد أصبحت ثروتهم عشرة أضعاف ما كانت عليه حين كانوا في العشرين... ولكن لا أحد منهم يخبرنا بأن سعادته أصبحت عشرة أضعاف ماكانت عليه.. بل يكادون يُجمعون على أن السعادة، وغيرها لا صلة لها بالمال... يقول "شو" مثلا : ( إن المال يشفي الجوع ولكنه لا يشفي التعاسة... كما أن الطعام يشبع الشهوة ولا يشبع الروح...). فعلى المرء أن يدخر المال لغاية واحدة فقط، وهي تدعيم إستقلاله وصيانته من العوز... رابعاً : الشجاعة التي لا تهدف إلى التسلط على أصحاب الحق... كما لا ينبغي هنا الشجاعة التي تعني التغلب على الخوف، فقد ظل البشر يطبعون أولادهم عليها لكي ينشئوا نمطاً من الشخصية لا يهاب المعارك، لكن المقصود هنا الشجاعة الخلقية والشجاعة الفكرية، التي لم تحصل على مثل هذا الإهتمام... خامساً: الإبتسامة حلوة، تريح صاحبها وتريح الذين يرونها
صرّح مدير أحد المخازن الكبرى بأنه يفضل أن يكون لديه عامل في قسم المبيعات لم يحصل على شهادة الإبتدائية لكن في وجهه إبتسامة، على خريج جامعة بدرجة شرف لكن وجهه عبوس متجهم... ومن حكمة أهل الصين: (إن على الرجل الذي ليس لديه وجه باسم ألا يفتح دكاناً...). والقدرة على الإبتسام، والتواضع والشجاعة و كلها تعتمد على الثقة بالنفس والقدرة على التفكير الهادئ... وهي ليست هبات تمنحها العناية الإلهية لعدد قليل من الموهوبين... بل هي أشبه ما تكون بركوب الدراجة، أو السباحة، فكل شخص قادر على تنمية قدرته فيها مادامت لديه الرغبة والثقة بنفسه. سادساً: الثقافة لا تسبب السعادة أو الشقاء، بل تكون مظهراً من مظاهرهما...غير أن العلم بالشئ خير من الجهل به... بالإضافة إلى أن الثقافة تفتح الدرب إلى التساؤل، وطريق التساؤل يُوصل إلى المعتقد ويقويه، فيكون سبباً في السعادة، كما يعتقد الفلاسفة، ومنهم "رسل" الذي يؤمن بأن السعادة تكاد تكون مستحيلة بدون الإستناد إلى معتقد روحي ... ومثله "روسو". سابعاً : لقد ظهر، أن اللاشعور يلعب دوراً لا يُستهان به في سلوكنا وتفكيرنا، ولكن منبع العبقرية هذا، ومخبأ الحظ، ليس لنا أي سلطة عليه... إلا أن هنالك وسيلة للتأثير في عمله - نوعاً ما- وهي بتكوين المشاعر الطيبة في النفس و بحيث يغمرها الإطمئنان والرضا... أو كما قال "برنارد شو" : (أجعل نفسك نظيفة وذكية، فهي الشباك الذي يجب أن ترى العالم من خلاله)، ولا تكون النفس نظيفة إلا بمشاعرها المريحة الناتجة عن السلوك الطيب... فكما أن الطالب لا يتحسن خطه إلا إذا قال له المدرس: حسن خطّك، أو أكتب أحسن من هذا، فكذلك النفس البشرية لا تكون شجاعة، ولا تنبغ أو (تتعبقر) بالكلام المجرد والوعظ والإرشاد... يقول أحد مدراء المدارس، بعد خبرة 34 سنة، إن الإنسان لا يكون شجاعا في الحق بالكلام، بل بأن نجعله مُحاطاً بجو يثير فيه الشجاعة والصدق. يصف بعض الباحثين مثل هذا الجو بأنه يرفع المعنوية أن يثير الشهامة، وهذا ما نحصل عليه من الكتب والقصص والمسرحيات والأفلام العالمية الناجحة... فالرواية التي تثير المشاعر الطيبة في الحياة هي تلك التي تضم أناسا طيبين أكثر مما تضم من الأشرار، والتي تنتهي نهاية سعيدة... أو أنها تلمح -أو تؤدي في الأقل- إلى إنعاش الآمال



د . عباس مهدي

No comments:

Archive