Mar 9, 2008

حاجتنا إلى التواصل الاجتماعي



عندما تشتد قسوة الحياة، ويطبق شظف العيش على أعناق الناس تضيع القيم، وتنقلب المفاهيم، ويفلت العيار من الكبير والصغير، وتفرز هذه الحالة طقوسًا شاذة، وعادات غريبة على مفاهيمنا الأصيلة العميقة الجذور، وكان ضعف التواصل الاجتماعي أحد مظاهر الخروج على التقاليد
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى ضعف التواصل الاجتماعي، ولعل من أهم هذه الأسباب غياب الإيمان من حياة الإنسان، وضعف التقوى في القلوب، والبعد عن تعاليم الدين، وكذلك ضعف السلطة الأبوية؛ وذلك إلى جانب ما أحدثته المدنية الحديثة من متغيرات في تركيب القرابة، والتي أثرت على حياة الأسرة في مجال العلاقات الاجتماعية؛ فقد أصبحت العلاقات بين أعضائها متصدعة؛ مما أدى إلى ابتعاد أفرادها عن بعضهم البعض وانفصالهم، وأصبح أرباب الأسرة لا يحملون هَمَّ إصلاح الوضع القائم
وليس المقصود هنا مجرد الخلافات بين أفراد الأسرة الممتدة، وهنا يظهر أمام أرباب الأسرة عدة أسباب تبرر لهم الوضع القائم في العائلة، ومن أهم هذه الأسباب: وجود مشاكل قديمة لم تجدِ فيها محاولات الصلح، ووجود فارق شعوري بين الجيل الحالي والجيل السابق متناسين قوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (إنَّ الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: (هذا مقام العائذ بك من القطيعة)، قال: نعم.. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟!؛ قالت: (بلى).. قال: (فذلك لك))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: اقرأوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23).. سورة محمد



وهناك اعتقاد راسخ في ذهن الكثير من الناس، وهو أنَّ التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة يكفي وحده لإشباع الحاجات النفسية لأعضائها، وهو ما يؤدي إلى حدوث التصدع الأسري، وضعف الروابط الأسرية، وما يترتب عليه من عدم قيام الأسرة بوظائفها كتحقيق الاستقرار، وتقوية الروابط الأسرية، وتجديد التواصل الاجتماعي بين أعضائها
وحتى تتمكن الأسرة من تحقيق الوفاق والوئام بين أعضائها فلا بد من وجود التربية الدينية الصحيحة؛ حيث إنَّ الدين يؤثر تأثيرًا قويًا في ضبط النفس وتكوين القيم الأخلاقية، ومن ثمَّ يصبح عند الإنسان يقين تام بضرورة التعامل مع الله في احتساب الأجر، ومعرفة ما لصلة الرحم من فضلٍ وبركاتٍ في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (مَن أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه). ومن خلال المقارنة بيننا وبين الأجيال السابقة سنتمكن من التأكيد على أننا أمة بلا تواصلٍ، وبلا وئامٍ صادقٍ بين أبنائها، وإلا لما تداعت الأمم الظالمة لنفسها علينا، ولما تفرقنا تفرقًا، وتشتتنا فرقًاً وأحزابًا. لذلك وأنا أنظر إلى نفسي قبل غيري أعرف أنَّ الذي ينقصنا لكي تتجدد عزتنا وتتقوى شوكتنا هو تجديد التواصل الاجتماعي، وتقوية الروابط الأسرية



وعن أسباب ضعف التواصل الاجتماعي يقول (د. حاتم) أخصائي إدارة وقت وبرمجة عصبية: إنَّ سبب هذه المشكلة هو قلة الفهم في الحياة والدين؛ لأنَّ الحياة مجموعة من التكتلات، تكتلات من أجل المصالح، وأخرى من أجل الشهوات والأهواء، وعلى كل فرد أن ينضم إلى تكتل الدم واللحم.. ولا شك أنَّ هذا التكتل هو تكتل طبيعي للترابط الاجتماعي؛ فنجد مثلاً عائلات تحتكر السياسة، وأخرى تحتكر أقسامًا مهنية معينة، وأخرى تحتكر أقسامًا علمية في كليات معينة، ولا تقتصر التكتلات على العائلات فقط؛ فهناك تكتلات للدول؛ فنجد أن لدول الغرب تكتلاً خاصًا بها، في حين نجد أن الشرق ما زال تائهًا بين هذه التكتلات، وعليه فإنَّ العائلات أولى أن يكون لديها تكتل اجتماعي خاص بها، وذلك من أجل إرضاء الله سبحانه وتعالى أولاً وقبل كل شيء. ومن الناحية الدينية فإنَّ هذه القضية لا خلافَ عليها؛ فكلمة الرحم مشتقة من الرحمن.. يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامََّ).. النساء: الآية1، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).. الرعد: الآية 21


ولتحقيق التواصل الاجتماعي لا بد من ترك الأنانية والتمركز حول الذات؛ والوصول إلى التعاون؛ لأنه المعنى الحضاري الأسمى لتجديد التواصل؛ فعلى سبيل المثال إذا ما كانت هنالك خلافات بين الزوجة وأهل الزوج فلا بد أن تتصرف الزوجة بعقلٍ وحكمةٍ؛ فلا تسعى بنوعٍ من الظلم؛ فتتواصل مع أسرتها على حساب أسرة زوجها؛ وهو ما يؤدي إلى تكوين مفاهيم خاطئة لدى الأبناء؛ ينتج عنها التصدع الأسري، وضعف الروابط الأسرية، والعكس صحيح؛ فإذا ما كانت هناك خلافات أسرية بين الزوج وأسرة زوجته؛ فيجب عليه أيضًا ألا يسعى بنوعٍ من الظلم؛ فيعمل على إبعاد الأبناء عن أسرة زوجته، ومن هنا يأتي دور أرباب الأسرة في إصلاح المفاهيم الخاطئة
وليصبر على أذى أقاربه كما يصبر على أذى الناس؛ فإن قضية التواصل هي قضية إصلاح مفاهيم بالدرجة الأولى.. وأيًا كانت أسباب انعدام الوفاق والوئام بين أفراد الأسرة فعلى أرباب الأسرة اتخاذ خطوات إيجابية لتجديد التواصل. وبكلمةٍ جامعةٍ لما بسطناه سابقًا نقول بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم : (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطِعَت رحمه وصلها)..
رواه البخاري



سما ح عبد الحليم

No comments:

Archive