Mar 18, 2008

أغلى إنسانة


يأخذنا الوقت والزمن ومشاغل وصراعات الحياة ولا نعطي منْ هم أهم شيء في حياتنا الاهتمام والشكر والعرفان بالجميل، ولو لجزء مما قدموه لنا في حياتنا، وهذه مشكلة إنسانية نعانيها على الرغم من كونهم أخذوا مساحات بأحجام مختلفة في ذاكرتنا. هناك إنسانة عظيمة لا تكفيها قصائد الشعراء ولا أقوال الحكماء شكراً وعرفاناً وامتناناً.. إلخ، صوتها نشيد ولحن وإحساس لا مثيل له في الحياة، بدأ منذ تكويننا كبشر في ذلك الرحم الذي لا يوازيه في الراحة والسعادة شيء في الحياة، إنها الأم نسأل الله أن يُعيننا على الإحسان لها وللأب على الأرض وتحت الأرض


الأم هي أساس الحياة بمفهومها الشامل، فلولاها بعد مشيئة الله لم نكن في هذه الحياة، وهي العنصر المهم والأساسي لاستقرار أو عدم استقرار بنائنا النفسي فعندما تختل الأم نفسيا أو جسديا نختل معها، فالجنين منذ تكوينه في رحم أمه وهو يتأثر ويُؤثر، وعندما نُولد ونتعرض لأول ضغوط الحياة تصبح الأم كالترمومتر في حالة من القلق والخوف علينا ولا يمكن أن تتنازل عن خوفها وخشيتها وقلقها علينا ودفاعها الدائم عنا إلا بعد أن توارى في الثرى وهنا تبدأ أول انكساراتنا


الأم بيئة متكاملة لا يوجد لها مثيل على هذا الوجود لما نحصل عليه منها من حاجات أساسية للبقاء ولتوازن صحتنا النفسية والجسدية، فمن الصعب أن نجد مورداً مثل الأم يحقق لنا التوافق في هذه البيئة. وعندما تصاب الأم بالمرض أو الألم أو الأذى فإن بيئتنا دون شك ستختل، وعندما نمارس على المرأة الوصاية والضغوط ونذهب بها ونأتي في المحاكم ونقسو عليها ونبحث عما يكدر صفو حياتها وسعادتها.. ألم ندرك أنها الأم، وأن الجنة تحت أقدامها؟ لو أدرك الناس ما يفعلونه تجاه المرأة من سلوكيات لعلموا أن ما يفعلونه نوع من انفصام الشخصية واضطراب العقل كون تلك المرأة وهي الأم في الحاضر أو المستقبل، ولراجعوا أنفسهم كثيراً وشعروا بالذنب وتأنيب الضمير


المرأة الأم

هي تلك الإنسانة الشفافة الخائفة التي لا تنام حتى ونحن نائمون

هي تلك الإنسانة التي إذا اهتزت اهتز المجتمع

هي تلك الإنسانة التي بيدها أقوى وأثمن شيء للحاجات العاطفية والانفعالية عند البشر وبفقدانه نصبح معتلين وفارغين عاطفيا، ولن نشبع ونبقى جائعين عاطفيا ًعندما ينضب ذلك النبع المتدفق من العواطف والحنان


إلى أمي.. وكل أمهات العالم أدعو وأقول: اللهم اجزٍ أمهاتنا عنا خيراً، وابسط عليهن من رحمتك وعفوك، وارفع عنهن البأس، واكفهن كل هول دون الجنان، وأبلغهن دار رحمتك ومستقر فضلك، وتجاوز عنّا تقصيرنا معهن يارب العالمين



د. عبد الله الحريري

No comments:

Archive