Jun 18, 2008

أين موقعنا من الزمن؟



الميزان هنا هو مقدار ما نستفيد من الزمن، وما ننجز فيه. فإذا انخفض مستوى الاستفادة، أبطأ الزمن. وميزان الساعة مقياس جميل للزمن الموجود في داخل كل إنسان، لأن الزمن كان مع الإنسان منذ الخليقة حين لم تكن الساعة، ولكن الإنسان الأول وضع لنفسه مقاييس لمعرفة الزمن بطرق مختلفة. فالساعة بحد ذاتها يمكن أن تكون ميزاناً جيداً لقياس سرعة الزمن وبطئه، فهناك ساعات فيهاعقارب تشير إلى زمن الساعة دون الدقائق أو الثواني، والزمن في هذه الساعات يعتبر بطيئاً؛ لأنه لا يحدد لنا الدقائق، فإذا مرت نصف ساعة سنرى العقارب وهي تقطع نصف المسافة بين الرقمين ببطء شديد. وحينما نقيس الزمان بساعة لها عقارب تشير إلى الدقائق والثواني، أو تلك الساعة الإلكترونية التي يستخدمونها في مجال الفضاء، والتي تقسم الثانية الواحدة إلى أكثر من ألف جزء، حيث يكون للزمن "الجزء من الألف من الثانية"، فإن قيمته الحياتية بالنسبة إليهم تكون كبيرة جداً؛ لأن الجزء الضئيل من الزمن هو الذي يحدد قياس سرعة الزمن عند أمة وبطئه عند أخرى. وهناك ميزان آخر وهو مقدار الإنتاج ونوعيته وجودته، لذلك فإن البشرية تسعى دوماً لصنع أدق الأجهزة لقياس هذا الزمن والإنتاج فيه، وكلما تطور الإنتاج ازدادت الحاجة إلى مزيد من الوقت، بينما نرى في البلدان المختلفة أن هدر الوقت موازٍ لهدر الانتاج. وقد يعترض البعض على مفهوم السرعة وضرورتها للحياة.. والحال أنها جزء من الخليقة، فالله سبحانه وتعالى خلق أجهزة البدن بحيث تؤدي عملها في وقت محدد، وتستجيب لكل الحوافز بأقصى سرعة ممكنة، فدماغ الإنسان لا تضاهي سرعته الفائقة أي جهاز صنعه البشر لاستقبال المعلومات وتحليلها واتخاذ القرار بشأنها، فالدماغ يؤدي مليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة. ومعنى هذا أن السرعة الحاكمة في داخل الإنسان هي أكبر بكثير مما يستفاد منها، والإنسان هو الذي يتباطأ في استخدام هذه السرعة أو يلغيها تماماً. أترى أن الذين يتقنون سرعة القراءة هل هم يصنعون معجزة في ذلك؟ بالطبع.. كلا، لأن "أفنسان" قادر على إتقان السرعة في القراءة، وإن لم يفعل ذلك فإنه يكون قد ضيع على نفسه الكثير من الوقت، فإذا كان بمقدورك قراءة مائة صفحة في الدقيقة الواحدة، ولكنك اكتفيت بصفحة واحدة في نفس المدة فأنت الخسران. وهنا ملاحظة هامة، وهي أنه مع التأكيد على أهمية السرعة، إلا أنه ليس كل شيء يستحق السرعة، كما ليس كل شيء يستحق التمهل. فالوقت الذي نصرفه على أي شيء يجب أن يتناسب مع قيمته، فمثلاً لا بد وأن نسرع في تهئية الطعام ولكن نتمهل في أكله، كما لا بد وأن نسرع في الدراسة ولكن نتمهل في الامتحان، ولا بد أن نسرع في الخير حتى نستمتع بنتائجه. ينبغي أن يكون التأني في موقعه مثلما ينبغي أن تكون السرعة في موقعها ايضاً، أما إذا خالفنا هذه المعادلة وسرنا بالاتجاه المعاكس فنكون ممن خسر مرتين، مرة حينما نعاني من متاعب السرعة في غير موقعها، ومرة حينما لا نتمهل في قطف ثمار نتائج أعمالنا


إن ظروف الحياة ليست على مستوى واحد، ففيها منحنيات كما هي في الأرض، وهضاب وجبال، وللمسير في تلك الطرق فنحن بحاجة إلى نوع مشابه للمسير، فلا يمكن مثلاً أن يركض الإنسان على الجبال، فبعض الأمور تحتاج إلى السرعة، وبعضها الآخر إلى التأني. فلا بد أن نعرف متى يجب أن نسرع الخطى، ومتى يجب أن نتريث. فلربما نخسر حياتنا لخطوة مستعجلة في غير محلها، أو نخسرها لأننا تثاقلنا في موقع العجلة. فلوأصيب إنسان بحادث وكان بحاجة إلى العلاج السريع فتأخر أصحابه في إيصاله إلى المستشفى، فإنهم سيساهمون في القضاء عليه. إن تناسب حركتك مع حركة الحياة يجب أن تتناسب مع استخدام السرعة أو البطىء بحسب الحاجة إليهما، وتلك هي الحكمة التي لا بد وأن تتمتع بها

No comments: