Jun 9, 2008

فلسفة الشخص السعيد



إن الشخص السعيد يتخذ لنفسه فلسفة يسير على نهجها في حياته ولا يحيد عنها، ولعل أن تلك الفلسفة تتلخص فيما يلي، أولاً : أن أتقبل الواقع كما هو، لا كما أريده أن يكون، والواقع أن الشخص السعيد يعتاد على الرضاء بالواقع، فالحياة لها قوانين خاصة بها عليّ أن احترمها، وأن أكيّف نفسي تبعا لتلك القوانين. ومن قوانين الحياة اشتمالها على الحلو والمر، فمن يحمّل الحياة أكثر مما تحتمل، ومن يريدها على أن تكون حلوة حلاوة مطلقة، إنما يكون قد إجتزأ بجانب واحد من جانبيها الأساسيين، ويكون قد سار وفق فلسفة خائبة لا تمت لواقع الحياة التي يتعامل معها والتي عليه أن يتوافق معها ويسير وفق قوانينها. ثانياً : أن أجتهد في الأستزادة من جوانب الحياة التي تشيع فيّ السعادة، فالاجتهاد في الحياة يؤدي بلا شك الى إحراز أكبر قدر ممكن مما يُداعب خيال المرء من طموحات ماديّة أو معنوية، ولكن يجب عليّ أن أبذر البذور بغير أن أؤكد لنفسي أني حاصل بلا أدنى شك على الثمار، فبينما أجد أن البذور في مكنتي، فان جني الثمار ليس من الأمور المؤكدة، فلقد تحدث ظروف متباينة تمنع تلك البذور من النمو، ومن ثم فإنها تحول بيني وبين جني الثمار. ثالثاً : أن أقوم بإستثمار مواهبي إلى أقصى درجة ممكنة، فأنا كائن حي، إنساني أولاً وقبل كل شئ، وهذا الكائن الحي قد أُفعم بمواهب مطمورة، أو بقدرات كثيرة، لم تبزغ بعد على سطح حياتي، وأحرى بي أن أعمل على تنمية نفسي بحيث يكون ذلك النماء هدفا في حد ذاته، فكلما كانت عنايتي بنفسي أحسن، و كنت حائزاً على نقطة إرتكاز أساسيّة تفوق في قيمتها أي شيء آخر يمكن أن أحوزه في الحياة، فأنا أريد أن أكون متفتحاً ومكتملاً ونامياً بمواهبي إلى أقصى درجة أستطيعها، بغير قيد يقيدني، حتى ولو كان ذلك القيد طموحي في الحياة، وما يمكن أن أحصل عليه من ثروة أو جاه أو سلطان، وبتعبيرآخر، فإني لا أريد أن يكون وقوفي للأهداف الخارجية عائق بيني وبين الحصول على ثمار قدراتي، أو إستعداداتي الشخصية. فكم من شخصية ظلّت مقوماتها الداخلية مطمورة بسبب تركيزها على جانب أو هدف واحد من جوانب أو اهداف الحياة؟! وكم من شخصية كانت تتمتع بمواهب فنية أو أدبية، ولكن مشاغلها في الحياة قد عملت على ضياع تلك المواهب وذبولها إلى الأبد. رابعاً : ألا تنسيني مشاغل الحياة تقدير ما في حوزتي من مزايا وما حصلت عليه من مكاسب، فثمة الكثير من الناس يندفعون في الحياة بغير توقف، وبغير أن يتريثوا قليلاً لتقدير وضعهم والتمتع بما في حوزتهم من مكتسبات ومنجزات ومواهب خرجت من حيّز الكمون إلى حيّز الواقع الحياتي. فيجب ألا أنشغل عن نفسي، فأواجه الحياة مندفعاً نحو تحقيق الأهداف بغير تقدير لما حظيت به في الحياة. إن الكثير من الناس ينهمكون في أعمالهم فيجعلون من أنفسهم مجرد آلات تتحرك، أو يصير الواحد منهم بمثابة ترس في آلة كبيرة معقدة هي الشركة أو المؤسسة أو العمل الذي يضطلع به. وبعض الناس يجعلون من شيءواحداً فقط هدفاً واحدًا ووحيداً في الحياة، فإذا ما ضمر ذلك الهدف، فإنهم يبتئسون أيمّا إبتئاس، وتضيع سعادتهم في الحياة. خامسا : أن أخصص بعض الوقت لأستمتع بالحياة، وأن انتهز الفرص والمناسبات للأستمتاع بالحياة، فالحياة ليست عملاً مستمراً، ولا هي إجهاد وارهاق للنفس على طول الخط ، إنها تعب وراحة، وكسب واستمتاع بالكسب، وعلاقات أجتماعية، وخلوة إلى النفس. فمن الخطأ الفادح ألا يتمتع المرء بما في حوزته، فيأتي يوم يندم على أنه لم يتمتع بما كان يمكن أن يكون مصدراً لمتعته وسعادته



توقف إذا قليلاً وتامل حياتك.. لسوف تجد أن لديك الكثير جداً يمكن أن تسعد به في حياتك، والواقع أن الإنسان يستطيع أن يتمتع أيضاً بما سوف يكون في حوزته في القريب العاجل، أو في البعيد الآجل. فأنت تستطيع أن تتوقع ما سوف تحصل عليه كنتائج متوقعة بحيث يكون الأمل بمثابة تمهيد للحوزة والإمتلاك، ولكن لا تجعل من توقعاتك قيوداً لسعادتك، ذلك أنك إذا ما ارتميت في أحلام اليقظة، فإنك قد تسهو عن واقعك الآن من جهة، و كما أنك قد تُصدم إذا لم تحقق توقعاتك من جهة أخرى، فاستبشر خيراً بما سوف يحمله لك المستقبل، ولكن لا تجعل آمالك المقبلة شرطاً وحيداً لسعادتك. وعلى أية حال اجعل لما في حوزتك الآن وهنا الأولوية على ما يمكن أن يكون في حوزتك بعدئذٍ وهناك، كن شخصاً واقعياً في حياتك، فلا تجعل من الخيلة محوراً ترتكز عليه حياتك، بل ميّز بين أمل ممكن ومتاح..وبين أمل صعب أو مستحيل وغير متاح، ولا تعلّق آمالك على المستحيلات؛ لأنه مستحيل، لا يمكن تحقيقه أو إحالته إلى واقع، وعلينا أن نعترف بأن الإمكانيات التي لم تستحل بعد إلى واقع خارجي، هي في نفس الوقت واقع داخلي، وبذا، فإنك تستطيع أن تعتبر الواقع الداخلي من صميم كيانك وفي حوزتك، فما تستشعره من مواهب وقدرات هي واقع نفسي طالما أن إحساسك به هو إحساس صادق، إذن تمتع بتلك الأشياء التي تحوزها بداخلك بوجودها، فنفس استمتاعك بوجودها يحفزك على إستثمارها وإخراجها من حيّز الكمون إلى.. حيّز الواقع في حياتك


يوسف ميخائيل أسعد

No comments: